الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ إِن كَانَتْ لَكُمُ ٱلدَّارُ ٱلآخِرَةُ عِندَ ٱللَّهِ خَالِصَةً مِّن دُونِ ٱلنَّاسِ فَتَمَنَّوُاْ ٱلْمَوْتَ إِن كُنْتُمْ صَادِقِينَ }

قوله تعالى: { إِن كَانَتْ لَكُمُ ٱلدَّارُ ٱلآخِرَةُ عِندَ ٱللَّهِ خَالِصَةً }: شَرْطٌ جوابُه: " فَتَمَنَّوُا " و " الدارُ " اسمُ كان وهي الجنةُ. والأَوْلَى أن يُقَدَّر حَذْفُ مضافٍ، أي: نَعيمُ الدارِ، لأنَّ الدارَ الآخِرةَ في الحقيقةِ هي انقضاءُ الدنيا وهي للفريقَيْن. واختلفوا في خبر " كان " على ثلاثةِ أقوالٍ، أحدُها: أنه " خالصةً " فتكون " عند " ظرفاً لخالصةً أو للاستقرار الذي في " لكم " ، ويجوزُ أن تكونَ حالاً مِن " الدار " والعاملُ فيه " كان " أو الاستقرارُ. وأمَّا " لكم " فيتعلَّقُ بكان لأنها تعملُ في الظرفِ وشِبْهِه. قال أبو البقاء " ويجوز أن تكونَ للتبيينِ فيكونَ موضعُها بعد " خالصةً " أي خالصةً لكم فَتَتَعَلَّقَ بنفسِ " خالصةً ". وهذا فيه نظرٌ، لأنه متى كانت للبيانِ تعلَّقَتْ بمحذوفٍ تقديرُه: أعني لكم نحو: سُقْياً لك، تقديرُه: أعني بهذا الدعاءِ لك. وقد صَرَّح غيرُه في هذا الموضعِ بأنها للبيانِ وأنها متعلقةٌ حينئذٍ بمحذوف كما ذكرت. ويجوز أَنْ يكونَ صفةً لـ " خالصةً " في الأصل قُدِّم عليها فصار حالاً منها فيتعلَّقَ بمحذوفٍ.

الثاني: أنَّ الخبر " لكم " فيتعلَّقُ بمحذوفٍ ويُنْصَبُ " خالصةً " حينئذٍ على الحالِ، والعاملُ فيها: إمَّا " كان " أو الاستقرارُ في " لكم " و " عند " منصوبٌ بالاستقرارِ أيضاً.

الثالث: أنَّ الخبرَ هو الظَرْفُ، و " خالصةً " حالٌ أيضاً، والعاملُ فيها: إمَّا " كانَ " أو الاسقرارُ، وكذلك " لكم ". وقد مَنَعَ من هذا الوجهِ قومٌ فقالوا: " لا يجوزُ أن يكونَ الظرفُ خبراً لأنَّ الكلامَ لا يَسْتَقِلُّ به ". وجَوَّزَ ذلك المهدوي وابنُ عطية وأبو البقاء. واستشعر أبو البقاء هذا الإِشكالَ وأجاب عنه فإنه قال: " وسَوَّغَ أن يكونَ " عند " خبرَ كان " لكم " ، يعني لفظَ " لكم " سَوَّغَ وقوعَ " عند " خبراً، إذ كان فيه تخصيصٌ وتَبْيينٌ، ونظيرُه قولُه:وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ } [الإخلاص: 4]، لولا " له " لم يَصِحَّ أن يكونَ " كفواً " خبراً. و { مِّن دُونِ ٱلنَّاسِ } في محلِّ النصبِ بـ " خالصةً " لأنَّك تقولُ: " خَلُصَ كذا مِنْ كذا ".

وقرأ الجمهورُ: " َتَمَنَّوُا الموتَ " بضمِّ الواو، ويُرْوَى عن أبي عمرو فتحُها تخفيفاً، واختلاسُ الضمة. وقرأ ابن أبي إسحاق بكسرها على التقاء الساكنين تشبيهاً بواو " لَوِ استطعنا ". و " إنْ كنتم " كقوله: { إِن كُنْتُمْ مُّؤْمِنِينَ } وقد تقدَّمَ.