قوله تعالى: { أَنْتُمْ هَـٰؤُلاۤءِ تَقْتُلُونَ }: فيه سبعة أقوال، أحدها: وهو الظاهرُ أنَّ " أنتم " في محلِّ رفع بالابتداء، و " هؤلاء " خبرُه. و " تَقْتُلون " حالٌ العاملُ فيها اسمُ الإِشارةِ لِما فيه من معنى الفِعْل، وهي حالٌ منه ليتَّحِدَ ذو الحالِ وعامِلُها، وتحقيقُ هذا مذكورٌ في غيرِ هذا [المكانِ] وقد قالتِ العربُ: " ها أنت ذا قائماً " ، و " ها أنا ذا قائماً " ، و " ها هو ذا قائماً " ، فأخبروا باسمِ الإِشارةِ عن الضميرِ في اللفظِ، والمعنى على الإِخبارِ بالحال، فكأنه قال: أنت الحاضرُ وأنا الحاضرُ وهو الحاضرُ في هذه الحالِ. ويَدُلُّ على أنَّ الجملةَ من قوله " تَقْتُلون " حالٌ وقوعُ الحالِ الصريحةِ موقعَها، كما تقدَّم في: ها أنا ذا قائماً ونحوِه، وإلى هذا المعنى نحا الزمخشري فقال: " ثم أنتم هؤلاء " استبعادٌ لِما أُسْنِد إليهم من القَتْل والإِجلاءِ بعد أَخْذِ الميثاق منهم، وإقرارِهم وشهادتِهم، والمعنى: ثم أنتم بعد ذلك هؤلاء الشاهدون " ، يعني أنكم قومٌ آخرون غيرُ أولئك المُقِرِّين، تنزيلاً لتغيُّر الصفةِ منزلةَ تغيُّرِ الذاتِ، كما تقول: رَجَعْتُ بغير الوجه الذي خَرَجْتُ به. وقوله: " تَقْتُلون " بيانٌ لقوله: ثم أنتم هؤلاء. قال الشيخ كالمعترضِ عليه كلامَه: " والظاهرُ أنَّ المشارَ إليه بقوله: " أنتم هؤلاء " المخاطبون أولاً، فليسوا قوماً آخرين، ألا ترى أنَّ التقديرَ الذي قدَّره الزمخشري مِنْ تقديرِ تغيُّرِ الصفةِ منزلةَ تغيُّرِ الذاتِ لا يتأتَّىٰ في نحو: ها أنا ذا قائماً، ولا في نحو: ها أنتم هؤلاء، بل المخاطَبُ هو المُشارُ إليه مِنْ غيرِ تغيُّرٍ " ولم يتضحْ لي صحةُ الإِيرادِ عليه وما أبعدَه عنه. الثاني: أن " أنتم " أيضاً مبتدأٌ، و " هؤلاء " خبرُه، ولكنْ بتأويل حذفِ مضافٍ تقديرُه: ثم أنتم مثلُ هؤلاء، و " تقتلونَ " حالٌ أيضاً، العاملُ فيها معنى التشبيه، إلا أنَّه يلزَمُ منه الإِشارةُ إلى غائبين، لأن المرادَ بهم أسلافُهم على هذا، وقد يُقال: إنه نَزَّل الغائِبُ مَنْزِلَةَ الحاضرِ. الثالث: وَنَقَله ابنُ عطية عن شيخِه ابن الباذش أن " أنتم " خبرٌ مقدمٌ، و " هؤلاء " مبتدأٌ مؤخرٌ، وهذا فاسدٌ؛ لأن المبتدأ والخبرَ متى استويا تعريفاً وتنكيراً لم يَجُزْ تقدُّمُ الخبرِ، وإنْ وَرَد [منه] ما يُوهِم فمتأوَّلٌ. الرابع: أنَّ " أنتم " مبتدأٌ، و " هؤلاء " منادى حُذِفَ منه حرفُ النداءِ، و " تقتلون " خبرُ المبتدأ، وفَصَلَ بالنداءِ بين المبتدأ وخبرِه. وهذا لا يُجيزه جمهورُ البصريين، وإنما قال به الفراءُ وجماعةٌ وأنشدوا: