قوله تعالى: { أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً }: " أو " هذه كـ " أو " في قوله:{ أَوْ كَصَيِّبٍ } [البقرة: 19] فكلُّ ما قيلَ فيه ثَمَّةَ يمكنُ القولُ به هنا، ولمَّا قال أبو الأسود:
551ـ أُحِبُّ محمداً حُبَّاً شديداً
وعَبَّاساً وحمزةَ أو عَلِيَّا
اعترضوا عليه في قوله " أو " التي تقتضي الشكَّ، وقالوا له: أَشَكَكْتَ؟ فقال: كَلاَّ، واستدلَّ بقولِه تعالى:{ وَإِنَّآ أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَىٰ هُدًى أَوْ فِي ضَلاَلٍ } [سبأ: 24] وقال: أَوَ كان شاكَّاً مَنْ أَخْبر بهذا؟ وإنما قَصَد ـ رحمه الله ـ الإِبهامَ على المخاطب. و " أشدُّ " مرفوعٌ لعطفِه على محلِّ " كالحجارة " أي: فهي مثلُ الحجارةِ أو أشدُّ. والكافُ يجوزُ أن تكونَ حرفاً فتتعلَّقَ بمحذوفٍ وأن تكونَ اسماً فلا تتعلَّقَ بشيء، ويجوز أن تكونَ خبرَ مبتدأ محذوفٍ أي: أو هي أشدُّ. و " قسوة " نصبٌ على التمييزِ؛ لأنَّ الإِبهامَ حَصَلَ في نسبةِ التفضيلِ إليها، والمفضَّلُ عليه محذوفٌ للدلالةِ عليه أي: أشدُّ قسوةً من الحجارةِ. وقُرئ " أشدَّ " بالفتح، ووجهُها أنه عَطَفَها على " الحجارة " أي: فهي كالحجارة أو كأشدَّ منها. قال الزمخشري مُوَجِّهاً للرفعِ: " وأشدُّ معطوفٌ على الكاف: إمَّا على معنى: أو مثلُ أشدَّ فَحُذِف المضافُ وأُقيم المضافُ إليه مُقامَه، وتَعْضُده قراءة الأعمش بنصبِ الدال عطفاً على الحجارة ". ويجوز على ما قاله أن يكونَ مجروراً بالمضافِ المحذوفِ تُرِكَ على حاله، كقراءة: { وَٱللَّهُ يُرِيدُ ٱلآخِرَةِ } [الأنفال: 67] بجرِّ الآخرةِ، أي: ثوابَ الآخرةِ، فيحصُلُ من هذا أنَّ فتحةَ الدالِ يُحْتَمَلُ أن تكونَ للنصبِ وأن تكونَ للجرِّ. وقال الزمخشري أيضاً: " فإنْ قلت: لِمَ قيل " أشدُّ قسوةً " وفعلُ القسوةِ ممَّا يخرُج منه أفعلُ التفضيلِ وفعلُ التعجبِ؟ ـ يعني أنه مستكملٌ للشروطِ مِنْ كونِه ثلاثياً تاماً غيرَ لَونٍ ولا عاهةٍ متصرفاً غيرَ ملازمٍ للنفيِ ـ ثم قال: " قلت: لكونِه أَبْيَنَ وأدلَّ على فرطِ القسوةِ، ووجهٌ آخرُ وهو أنه لا يَقْصِدُ معنى الأقسى، ولكنه قَصَد وصفَ القسوةِ بالشدة، كأنه قيل: اشتدَّتْ قسوةُ الحجارةِ وقلوبُهم أشدُّ قسوةً " وهذا كلامٌ حسنٌ جداً، إلا أنَّ كونَ القسوةِ يجوزُ بناءُ التعجبِ منها فيه نظرٌ من حيثُ إنَّها من الأمورِ الخَلْقيَّةِ أو من العيوبِ، وكلاهما ممنوعٌ منه بناءُ البابَيْنِ. وقُرئ: قَساوة. قوله: { لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ } اللامُ لامُ الابتداء دَخَلَت على اسم " إنَّ " ، لتقدُّمِ الخبرِ وهو { مِنَ ٱلْحِجَارَةِ } ، وهي بمعنى الذي في محلِّ النَّصْبِ ولو لم يتقدَّم الخبرُ لم يَجُزْ دخولُ اللام على الاسم لئلا يتوالَى حرفا تأكيدٍ، وإنْ كان الأصلُ يقتضي ذلك، والضميرُ في " منه " يعودُ على " ما " حَمْلاً على اللفظ، قال أبو البقاء: " ولو كان في غيرِ القرآنِ لجازَ " منها " على المعنى " قلت: هذا الذي قد قرأ به أُبي بن كعب والضحاك.