الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالُواْ ٱدْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا هِيَ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لاَّ فَارِضٌ وَلاَ بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذٰلِكَ فَٱفْعَلُواْ مَا تُؤْمَرونَ }

قوله تعالى: { قَالُواْ ٱدْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنَ لَّنَا }.. كقوله:فَٱدْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا } [البقرة: 61] وقد تقدَّم. قوله: " ما هي "؟ ما استفهاميةٌ في محلِّ رفعٍ بالابتداءِ تقديرُه: أيُّ شيءٍ هي، و " ما " الاستفهاميةُ يُطْلَبُ بها شَرْحُ الاسم تارةً نحو: " ما العنقاءُ؟ [و] ماهيَّةُ المُسَمَّى أخرى نحو: ما الحركةُ. وقال السكاكي: " يَسْأَلُ بـ " ما " عن الجنسِ، تقولُ: ما عندك؟ أي: أيُّ أجناسِ الأشياءِ عندك، وجوابُه: كتابٌ ونحوه، أو عن الوصف، تقول: ما زيدٌ؟ وجوابه: كريمٌ " وهذا هو المرادُ في الآية. و " هي " ضميرٌ مرفوعٌ منفصلٌ في محلِّ رفع خبراً لـ " ما " ، والجملةُ في محلِّ نصب بيبيِّن، لأنه مُعَلَّقٌ عن الجملةِ بعده، وجاز ذلك لأنَّه شبيهٌ بأفعالِ القلوبِ.

قوله: { لاَّ فَارِضٌ وَلاَ بِكْرٌ } لا نافيةٌ، و " فارضٌ " صفةٌ لبقرة، واعترض بـ " لا " بين الصفةِ والموصوفِ، نحوٍ: مَرَرْتُ برجلٍ لا طويلٍ ولا قصيرٍ. وأجاز أبو البقاء أن يكونَ خبراً لمبتدأ محذوفٍ أي: لا هي فارضٌ. وقولُه: { وَلاَ بِكْرٌ } مثلُ ما تقدَّم، وتكرَّرت " لا " لأنها متى وقعت قبل خبرٍ أو نعتٍ أو حالٍ وَجَب تكريرُها، تقول: زيدٌ لا قائمٌ ولا قاعدٌ، ومررت به لا ضاحكاً ولا باكياً، ولا يجوز عدمُ التكرارِ إلا في ضرورةٍ, خلافاً للمبرد وابن كيسان، فمن ذلك:
529ـ وأنتَ امرؤٌ مِنَّا خُلِقْتَ لغيرِنا   حياتُك لا نفعٌ وموتُك فاجِعُ
وقولُه:
530ـ قَهَرْتَ العِدَى لا مُسْتَعيناً بعُصْبَةٍ   ولكنْ بأنواعِ الخدائعِ والمَكْرِ
فلم يكرِّرها في الخبر ولا في الحالِ.

والفارضُ: المُسِنَّةُ الهَرِمة، قال الزمخشري: " كأنَّها سُمِّيَتْ بذلك لأنها فَرَضَتْ سِنَّها، أي قَطَعَتْها وبَلَغَتْ آخرَها " قال الشاعر:
531ـ لَعَمْرِي لقد أَعْطَيْتَ جارَك فارِضاً   تُساقُ إليه ما تقومُ على رِجْلِ
ويقال لكلِّ ما قَدُم: فارضٌ، قال:
532ـ شَيَّبَ أصداغِي فرأسي أبيضُ   محامِلٌ فيها رجالٌ فُرَّضُ
أي: كبارٌ قدماء، وقال آخر:
533ـ يا رُبَّ ذي ضِغْنٍ عليَّ فارضِ   له قُروءٌ كقُروءِ الحائِضِ
وقال الراغب: " سُمِّيَتْ فارِضاً لأنها تقطعُ الأرضَ،والفَرْضُ في الأصل: القَطْع وقيل: لأنها تحملُ الأحمَالَ الشاقةَ. وقيل: لأن فريضة البقر تَبِيعٌ ومُسِنَّة، قال: فعلى هذا تكونُ الفارضُ اسماً إسلامياً " ويقال فَرَضَتْ تفرِضُ بالفتح فُروضاً، وقيل: فَرُضَتْ بالضمِّ أيضاً. والبِكْرُ ما لم تَحْمِل، وقيل: مَا وَلَدَتْ بطناً واحداً وذلك الولدُ بِكْرٌ أيضاً، قال:
534ـ يا بِكْرَ بَكْرَيْنِ ويا خِلْبَ الكَبِدْ   أصبحْتَ مني كذراعٍ من عَضُدْ
والبِكْرُ من الحيوان: مَنْ لم يَطْرُقْه فَحْل، والبَكْر بالفتح: الفَتِيُّ من الإِبل، والبَكارة بالفتح: المصدر.

قوله: { عَوَانٌ } صفةٌ لبقرة، ويجوز أن يكونَ خبراً لمبتدأ محذوفٍ أي: هي عوانٌ، كما تقدَّم في { لاَّ فَارِضٌ } والعَوانُ، النَّصَفُ، وهو التوسُّطُ بين الشيئينِ، وذلك أقوىٰ ما يكونُ وأحسنُه، قال:

السابقالتالي
2