الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ ٱلطُّورَ خُذُواْ مَآ ءَاتَيْنَٰكُم بِقُوَّةٍ وَٱذْكُرُواْ مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ }

قوله تعالى: { فَوْقَكُمُ }: ظرفُ مكانٍ ناصبُه " رَفعْنا " وحكمُ " فوق " مثلُ حكم تحت، وقد تقدَّم الكلامُ عليه. قال أبو البقاء: " ويَضْعُف أن يكونَ حالاً من " الطور " ، لأن التقدير يصير: رَفَعْنا الطورَ عالياً، وقد استُفيد [هذا] من " رَفَعْنا " وفي هذا نظرٌ لأنَّ المرادَ به علوٌّ خاص وهو كونُه عالياً عليهم لا مطلقُ العلوِّ حتى يصيرَ رفعناه عالياً كما قدَّره. قال: " ولأنَّ الجَبَلَ لم يكُنْ فوقَهم وقتَ الرفع، وإنما صارَ فوقَهم بالرفْعِ. ولقائلٍ أن يقولَ: لِمَ لا يكونُ حالاً مقدرة، وقد قالَ هو في قولِه " بقوة " إنها حالٌ مقَدَّرةٌ كما سيأتي.

والطُّور: اسمٌ لكلَّ جبل، وقيل لما أَنْبَتَ منها خاصةً دونَ ما لم يُنْبِتْ، وهل هو عربي أو سُرْياني؟ قولان، وقيل: سُمِّي بطور ابنُ اسماعيل عليه السلام، وقال العجَّاج:
519ـ داني جَنَاحَيْهِ من الطُّور فَمَرّْ   تَقَضِّيَ البازي إذا البازي كَسَرْ
قوله: " خُذُوا " في محلِّ نصبٍ بقولٍ مضمر، أي: وقُلْنا لهم خُذُوا، وهذا القولُ المضمر يجوزُ أن يكونَ في محلِّ نصبٍ على الحالِ من فاعل " رَفَعْنا " والتقدير: ورفعنا الطور قائلين لكم خُذوا. وقد تقدَّم أنَّ " خُذْ " محذوفُ الفاءِ وأن الأصلَ: أُؤْخُذْ، عند قولهوَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً } [البقرة: 35].

قوله: { مَآ آتَيْنَاكُم } مفعولُ " خُذوا " ، و " ما " موصولةٌ بمعنى الذي لا نكرةٌ موصوفةٌ، والعائدُ محذوفٌ أي: ما آتيناكموه.

قوله: " بقوةٍ " في محلِّ نَصْبٍ على الحال. وفي صاحِبها قولان، أحدهما: أنه فاعلُ " خُذوا " وتكونُ حالاً مقدرة، والمعنى: خُذوا الذي آتيناكموه حالَ كونكم عازمين على الجِدِّ بالعمل به. والثاني: أنه ذلك العائدُ المحذوف، والتقدير: خُذوا الذي آتيناكُموه في حالِ كونه مشدَّداً فيه أي: في العمل به والاجتهادِ في معرفته، وقوله " ما فيه " الضميرُ يعود على " ما آتيناكم ". والتولِّي تَفَعُّل من الوَلْي، وأصلُه الإِعراضُ عن الشيء بالجسم، ثم استُعْمِل في الإِعراض عن الأمورِ والاعتقاداتِ اتساعاً ومجازاً، و " ذلك " إشارةٌ إلى ما تقدَّم من رفعِ الطور وإيتاء التوراة.