الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذِ ٱسْتَسْقَىٰ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا ٱضْرِب بِّعَصَاكَ ٱلْحَجَرَ فَٱنفَجَرَتْ مِنْهُ ٱثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْناً قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ كُلُواْ وَٱشْرَبُواْ مِن رِّزْقِ ٱللَّهِ وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي ٱلأَرْضِ مُفْسِدِينَ }

قوله تعالى: { ٱسْتَسْقَىٰ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ } السينُ للطلبِ على وَجْهِ الدُّعَاءِ أي: سَأَل لهم السُّقيا، وألفُ استسقى منقلبةُ عن ياءٍ لأنه من السَّقْيِ، وقد تقدَّم معنىٰ استفْعَلَ مستوفى في أولِ السورة. ويقال: سَقَيْتُه وأَسْقَيْتُه بمعنى وأنشد:
491ـ سَقَى قومي بني بكر وأَسْقَى   نُمَيْراً والقبائلَ من هِلالِ
وقيل: سَقَيْتُه: أَعْطَيْتُه، ما يَشْرَبُ، وأَسْقَيْته جَعَلْتُ ذلك له يتناولُه كيف شاء، والإِسقاءُ أَبْلَغُ من السَّقْي على هذا، وقيل: أَسْقَيْته دَلَلْتُه على الماءِ، وسيأتي هذا إن شاء الله تعالى عند قولِه:نُّسْقِيكُمْ مِّمَّا فِي بُطُونِهِ } [النحل: 66].

و " لقومِه " متعلِّقٌ بالفعلِ واللامُ للعلَّة، أي: لأجلِ، أو تكونُ للبيان لَمَّا كانَ المرادُ به الدعاءَ كالتي في قولِهِم " سُقْياً لك " فتتعلَّقُ بمحذوفٍ كنظيرتِها ".

قوله: { ٱضْرِب بِّعَصَاكَ } الإِدغام [هنا] واجبٌ؛ لأنه متى اجتمع مِثْلان في كلمتين أو كلمةٍ أَوَّلُهما ساكنٌ وَجَبَ الإِدغامُ نحو: اضربْ بكرا. وألفُ " عصاك " منقلبةٌ عن واوٍ لقولِهم في النسب: عَصَوِيّ، وفي التثنية عَصَوانِ، قال:
492ـ............................   على عَصَوَيْها سابِرِيٌّ مُشَبْرَقُ
والجمع: عِصِيّ وعُصِيّ بضمِّ العَيْنِ وكَسْرِها إتباعاً، وأَعْصٍ، مثل: زَمَن وأَزْمُن، والأصل: عُصُوو، وأَعْصُو، فَأُعِلَّ. وعَصَوْتُه بالعَصا وعَصَيْتُه بالسيفِ، و " ألقى عصاه " يُعَبَّر به عن بُلوغ المنزلِ، قال:
493ـ فَأَلْقَتْ عَصاها واستقرَّ بها النَّوى   كما قرَّ عَيْناً بالإِيابِ المسافِرُ
وانشقَّت العصا بين القومِ أي: وقع الخلافُ، قال الشاعر:
494ـ إذا كانتِ الهيجاءُ وانشَقَّتِ العَصا   فَحَسْبُك والضحاكُ سيفٌ مُهَنَّدُ
قال الفراء: " أولُ لَحْنٍ سُمِع بالعراقِ هذه عصاتي " يعني بالتاء، و " الحَجَرَ " مفعولٌ وأل فيه للعهدِ، وقيل: للجنسِ.

قوله: { فَٱنفَجَرَتْ } " الفاءُ " عاطفةٌ على محذوفٍ لا بُدَّ منه، تقديرُه: فَضَرَبَ فانفجَرَت، وقال ابنُ عصفور: " [إن] هذه الفاءَ الموجودةَ هي الداخلةُ على ذلك الفعلِ المحذوفِ، والفاءُ الداخلةُ على " انفجَرتْ محذوفةٌ " وكأنه يقولُ: حُذِفَ الفعلُ الأولُ لدلالةِ الثاني عليه، وحُذِفَتِ الفاءُ الثانيةُ لدلالةِ الأولى عليها. ولا حاجةَ تَدْعُو إلى ذلك، بل يُقال: حُذِفَتْ الفاءُ وما عَطَفَتْه قبلها. وجَعَلَها الزمخشري جوابَ شرطٍ مقدَّرٍ، قال: " أو: فإن ضَرَبْتَ فقد انفجرَتْ، قال: " وهي على هذا فاءٌ فصيحةٌ لا تقع إلا في كلامٍ بليغ " ، وكأنه يريدُ تفسيرَ المعنى لا الإِعرابِ.

والانفجارُ: الانشقاقُ والتفتُّح، ومنه الفَجْرُ لانشقاقِه بالضوءِ، وفي الأعرافِ،فَٱنبَجَسَتْ } [الآية: 160]، فقيل: هما بمعنى، وقيل: الانبِجاس أضيقُ، لأنه يكونُ أولَ والانفجارُ ثانياً.

قوله: { ٱثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْناً } فاعل " انفجرت " ، والألفُ علامةُ الرفعِ لأنه مَحْمولٌ على المثنَّى، وليس بمثنَّى حقيقةً إذ لا واحد له من لفظِه، وكذلك مذكَّرهُ " اثنان " ولا يُضاف إلى تمييز لاستغنائِه بذكر المعدودِ مثنَّى، تقول: رجلان وامرأتان، ولا تقول: اثنا رجلٍ ولا اثنتا امرأةٍ، إلا ما جاءَ نادراً فلا يُقاسُ عليه: قال:

السابقالتالي
2 3