الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ وَآمِنُواْ بِمَآ أَنزَلْتُ مُصَدِّقاً لِّمَا مَعَكُمْ وَلاَ تَكُونُوۤاْ أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَٰتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَإِيَّٰيَ فَٱتَّقُونِ }

قوله تعالى: { بِمَآ أَنزَلْتُ }.. " ما " يجوز أن تكونَ بمعنى الذي، والعائدُ محذوفٌ، أي: الذي أَنْزَلْتُه، ويجوز أن تكونَ مصدريةً، والمصدرُ واقعٌ موقعَ المفعولِ أي بالمنزَّلِ. و " مصدقاً " نصبٌ على الحالِ، وصاحبُها العائدُ المحذوفُ. وقيل: صاحبُها " ما " والعاملُ فيها " آمنوا " وأجازَ بعضُهم أن تكونَ " ما " مصدريةً من غير جَعْلِه المصدرَ واقعاً موقعَ مفعولٍ به، وجَعَل " لِما معكم " من تمامه، أي: بإنزالي لِما معكم، وجَعَل " مُصَدِّقاً " حالاً من " ما " المجرورةِ باللامِ قُدِّمَتْ عليها وإن كان صاحبُها مجروراً، لأنَّ الصحيحَ جوازُ تقديمِ حالِ المجرورِ [بحرفِ الجر] عليه كقولِه:
406ـ فإنْ تَكُ أَذْوادٌ أُصِبْنَ ونِسْوَةٌ   فَلَنْ يَذْهبوا فَرْغاً بقَتْلِ حِبالِ
" فَرْغا " حالٌ من " بقتل " ، وأيضاً فهذه اللامُ زائدةٌ فهي في حكم المُطَّرح، و " مصدقاً " حالٌ مؤكدة، لأنه لا تكونُ إلا كذلك. والظاهرُ أنَّ " ما " بمعنى الذي، وأنَّ " مصدقاً " حالٌ مِنْ عائدِ الموصولِ، وأنَّ اللامَ في " لِما " مقويةٌ لتعدية " مصَدِّقاً " لـ " ما " الموصولةِ بالظرف.

قوله: { أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ } " أولَ " خبرُ " كان " قبلَه، وفيه أربعة أقوال، أحدُها ـ وهو مذهبُ سيبويهِ ـ أنه أَفْعَل، وأنَّ فاءَه وعينَه واوٌ، وتأنيثَه أُوْلى، وأصلُها: وُوْلى، فأُبْدِلَتِ الواوُ همزةً وجوباً، وليست مثلَ " وُوْرِيَ " في عَدَمِ قَلْبها لسكونِ الواوِ بعدَها، لأنَّ واوَ " أُولَى " تَحَرَّكت في الجمعِ في قولهم " أُوَل " ، فحُمِلَ المفردُ على الجمعِ في ذلك. ولم يَتَصَرَّفْ من " أوَّل " فِعْلٌ لاستثقاله. وقيل: هو مِنْ وَأَل إذا نجا، ففاؤُه واوٌ وعينُه همزةٌ، وأصلُه أَوْ أَل، فَخُفِّفَت بأَنْ قُلِبَتِ الهمزةُ واواً، وأُدْغِم فيها الواوُ فصار: أوَّل، وهذا ليسَ بقياس تخفيفِه، بل قياسُه أن تُلْقىٰ حركةُ الهمزةِ على الواو الساكنة وتُحْذَفُ الهمزةُ، ولكنهم شَبَّهوه بخَطِيَّة وبرِيَّة، وهو ضعيفٌ، والجمع: أَوائل وأَوالي أيضاً على القلب. وقيل: هو من آل يَؤُول إذا رَجَع، وأصلُه: أَأْوَل بِهمزتين الأولى زائدةٌ والثانيةُ فاؤُه، ثم قُلِب فأُخِّرَتِ الفاءُ بعد العين فصار: أوْأَل بوزن أَعْفَل، ثم فُعِلَ به ما فُعِل في الوجهِ الذي قبلَه من القلب والإِدغامِ وهو أضعفُ منه. وقيل: هو وَوَّل بوزن فَوْعَلِ، فأُبْدِلَتِ الواوُ الأولَى همزةً، وهذا القولُ أَضْعَفُها؛ لأنه كان ينبغي أن ينصرفَ ليس إلاَّ. والجمعُ: أوائل، والأصلُ: وَواوِل، فَقُلِبتِ الأولى همزةً لِما تقدَّم، والثالثة أيضاً لوقوعِها بعد ألفِ الجمعِ.

واعلم أَنَّ " أَوَّل " أَفْعَلُ تفضيلٍ، وأَفْعَلُ التفضيلِ إذا أُضيفَ إلى نكرةٍ كان مفرداً مذكراً مطلقاً.

السابقالتالي
2 3