الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالَ يَآءَادَمُ أَنبِئْهُمْ بِأَسْمَآئِهِمْ فَلَمَّآ أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَآئِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَّكُمْ إِنِيۤ أَعْلَمُ غَيْبَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ }

قوله تعالى: { قَالَ يَآءَادَمُ أَنبِئْهُمْ بِأَسْمَآئِهِمْ }.. " آدَمُ " مبنيٌّ على الضم لأنه مفردٌ معرفةٌ، وكلُّ ما كان كذلكُ بني على ما كان يُرْفع به، وهو في مَحلِّ نصبٍ لوقوعه موقعَ [المفعولِ به فإنَّ تقديره: أدعو آدمَ، وبُنِي لوقوعِه موقعَ] المضمرِ، والأصلُ: يا إياك، كقولهم: " يا إياك قد كُفِيْتُكَ " ويا أنتَ كقوله:
351ـ يَا أبْجَرَ بنَ أَبْجَرٍ يا أَنْتا   أنتَ الذي طَلَّقْتَ عامَ جُعْتَا
قد أحسنَ اللهُ وقد أَسَأْتَا   
و " يا إياك " أقيسُ من " يا أنت " لأنَّ الموضعَ موضعُ نَصْبٍ، فإياك لائقٌ به، وتحرَّزْتُ بالمفردِ من المضافِ نحو: يا عبدَ الله، ومن الشبيهِ به وهو عبارةٌ عَمَّا كان الثاني فيه من تمامِ معنىٰ الأول نحو: يا خيراً من زيدٍ ويا ثلاثةً وثلاثين، وبالمعرفة من النكرةِ غيرِ المقصودة نحو قوله:
352ـ أيا راكباً إمَّا عَرَضْتَ فَبَلِّغَنْ   ندامَاي مِنْ نجرانَ ألاَّ تلاقِيا
فإن هذه الأنواع الثلاثة معربةٌ نصباً.

و " أَنْبِئْهُمْ " فعلُ أمر وفاعلٌ ومفعولٌ، والمشهورُ: أَنْبِئْهُمْ مهموزاً مضمومَ الهاء، وقُرئ بكسر الهاءِ وتُرْْوى عن ابنِ عامر، كأنه أَتْبَعَ الهاءَ لحركةِ الباء ولم يَعْتَدَّ بالهمزةِ لأنها ساكنةٌ، فهي حاجزٌ غيرُ حصينٍ، وقُرِئ بحَذْفِ الهمزةِ ورُوِيَتْ عن ابنِ كثير، قال ابن جني: " هذا على إبدالِ الهمزةِ ياءً كَمَا تقولَ: أَنْبَيْتُ بزنة أَعْطَيْت. قال: " وهذا ضعيفٌ في اللغة لأنه بدلٌ لا تخفيف، والبَدلُ عندنا لا يجوزُ إلاَّ في ضرورةٍ " ، وهذا من أبي الفتح غيرُ مُرْضٍ لأن البدَل جاء في سَعَةِ الكلام، حكى الأخفشُ في " الأوسط " له أنهم يقولون في أَخْطَأْت: أَخْطَيْتُ، وفي توضَّأْت: توضَّيْتُ، قال: " وربما حَوَّلوه إلى الواو، وهو قليلٌ، قالوا: رَفَوْتُ في رَفَأْتُ ولم يُسْمع رَفَيْتُ ".

إذا تقرَّر ذلك فللنَّحْويين في حرف العلة المبدلِ من الهمزةِ نظرٌ في أنه هل يجري مَجْرى حرفِ العلةِ الأصلي أم يُنْظرُ أصله؟ ورتَّبوا على ذلك أحكاماً ومِن جملتها: هل يُحْذَفُ جَزْماً كالحرف غيرِ المُبْدل [أم لا] نظراً إلى أصلِه، واستدلَّ بعضُهم على حَذْفِه جَزْماً بقول زهير:
353ـ جريءٍ متى يُظْلَمْ يُعاقِبْ بظُلْمِه   سريعاً وإلاَّ يُبْدَ بالظُّلْمِ يَظْلِمِ
لأنَّ أصله " يُبْدَأ " بالهمزةِ فكذلك هذه الآيةُ أُبْدِلَتِ الهمزةُ ياءً ثم حُذِفَتَ حَمْلاً للأمرِ على المجزومِ. وقُرئ " أنبيهم " بإثباتِ الياء نظراً إلى الهمزةِ وهل تُضَمُّ الهاءُ نظراً للأصلِ أم تُكْسَرُ نظراً للصورة؟ وجهان مَنْقولان عن حمزةَ عند الوقفِ عليه.

و " بأسمائِهم " متعلِّق بأَنْبِئْهُمْ، وهو المفعولُ الثاني كما تقدَّم، وقد يتعدَّى بـ " عن " نحو: أنبأْتُه عن حالِه، وأمَّا تعديتُه بـ " مِنْ " في قوله تعالى:

السابقالتالي
2