الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِن كُنتُمْ عَلَىٰ سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُواْ كَاتِباً فَرِهَٰنٌ مَّقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُم بَعْضاً فَلْيُؤَدِّ ٱلَّذِي ٱؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ ٱللَّهَ رَبَّهُ وَلاَ تَكْتُمُواْ ٱلشَّهَٰدَةَ وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ }

قوله تعالى: { وَلَمْ تَجِدُواْ كَاتِباً }: العامةُ على " كاتباً " اسمَ فاعل. وقرأ أُبَيّ ومجاهد وأبو العالية: " كِتاباً " ، وفيه وجهان، أحدهما: أنه مصدرٌ أي ذا كتابة. والثاني: أنه جَمْع كاتبٍ، كصاحب وصِحاب. ونقل الزمخشري هذه القراءة عن أُبَيّ وابن عباس فقط، وقال: " وقال ابن عباس: أرأيتَ إن وجدتَ الكاتبَ ولم تَجِدْ الصحيفةَ والدَّواة ". وقرأ ابن عباس والضحاك: " كُتَّاباً " على الجمع، اعتباراً بأنَّ كلَّ نازلةٍ لها كاتبٌ. وقرأ أبو العالية: " كُتُباً " جمع كتاب، اعتباراً بالنوازلِ، قلت: قولُ ابن عباس: " أرأيتَ إنْ وجدت الكاتب الخ " ترجِيحٌ للقراءةِ المرويَّةِ عنه واستبعادٌ لقراءةِ غيرِه/ " كاتباً " ، يعني أن المرادَ الكتابُ لا الكاتبُ.

قوله: { فَرِهَانٌ } فيه ثلاثة أوجه، أحدُها: أنه مرفوعٌ بفعلٍ محذوفٍ، أي: فيكفي [عن] ذلك رُهُنٌ مقبوضةٌ. الثاني: أنه مبتدأٌ والخبرُ محذوفٌ أي: فرُهُن مقبوضة تكفي. الثالث: أنه خبرُ مبتدأٍ محذوفٍ تقديرُه: فالوثيقةُ أو فالقائمُ مقامُ ذلك رُهُنٌّ مقبوضةٌ.

وقرأ ابن كثير وأبو عمرو: " فَرُهُنٌّ " بضم الراء والهاء، والباقون " فَرِهَانٌ " بكسر الراء وألف بعد الهاء، رُوي عن ابن كثير وأبي عمرو تسكينُ الهاءِ في رواية.

فأمَّا قراءةُ ابن كثير فجمع رَهْن، وفَعل يُجْمع على فُعل نحو: سَقْف وسُقُف. ووقع في أبي البقاء بعد قوله: " وسَقْف وسُقُف، وأَسَد وأُسُد، وهو [وهم] " ولكنهم قالوا: إن فُعُلاً جَمعُ فَعْل قليل، وقد أورد منه الأخفش ألفاظاً منها: رَهْن ورُهُن، ولَحْد القبر ولُحُد، وقَلْب النخلة وقُلُب، ورجلٌ ثَطٌّ وقومٌ ثُطٌّ، وفرس وَرْدٌ وخيلٌ وُرُدٌ، وسهم حَشْر وسهام حُشُر. وأنشد أبو عمرو حجةً لقراءتهِ قولَ قعنب:
1135 ـ بانَتْ سعادُ وأمسى دونَها عدنُ   وَغلَّقَتْ عندَها مِنْ قبلِك الرُّهُنُ
وقال أبو عمرو: " وإنما قَرَأت فَرُهُن للفصلِ بين الرهانِ في الخيلِ وبين جمع " رَهْن " في غيرها " ومعنى هذا الكلام أنما اخترتُ هذه القراءةَ على قراءة " رهان " ، لأنه لا يجوزُ له أَنْ يفعلَ ذلك كما ذَكَر دونَ اتِّباع روايةٍ.

واختار الزجاجِ قراءتَه هذه قال: " وهذه القراءة وافَقَت المصحفَ، وما وافقَ المصحفَ وصَحَّ معناه، وقَرَأت به القُرَّاء فهو المختارُ ". قلت: إن الرسم الكريم " فرهن " دون ألفٍ بعد الهاء، مع أنَّ الزجاج يقول: " إنَّ فُعُلاً جمعَ فَعْلٍ قليلٌ " ، وحُكي عن أبي عمرو أنه قال: " لا أعرفُ الرِّهان إلا في الخيل لا غير ". وقال يونس: " الرَّهْنُ والرِّهان عربيان، والرُّهُنْ في الرَّهْنِ أكثرُ، والرِّهان في الخيلِ أكثرُ " وأنشدوا أيضاً على رَهْن ورُهُن قوله - البيت -:

السابقالتالي
2 3 4 5