الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ ٱلرِّبَٰواْ إِن كُنْتُمْ مُّؤْمِنِينَ }

قوله تعالى: { وَذَرُواْ }: فُتِحَتِ العينُ من " ذَرْ " حَمْلاً على " دَعْ " إذ هو بمعناه، وفُتِحَتْ في " دَعْ " لأنه أمْرٌ من " يَدَعُ " وفُتِحَتْ من " يَدَعُ " وإنْ كان قياسُها الكسرَ لكونِ الفاءِ واواً كيَعِدُ لكونِ لامِهِ حرفَ حلقٍ.

ووزنُ " ذروا ": عَلوا لأنَّ المحذوفَ الفاءُ لا يُستعمل منه ماضٍ إلاَّ في لُغَيَّة، وكذلك " دَعْ ".

وقرأ الحسن: " ما بَقَا " بقلبِ الكسرةِ فتحةً والياءِ الفاً، وهي لغةٌ لطيء ولغيرِهِم، ومنه قولُ علقمة التميمي:
1108 ـ زَهَا الشوقُ حتى ظَلَّ إنسانُ عينِهِ   يَفِيضُ بمغمورٍ من الدَّمْعِ مُتْأَقِ
وقال الآخر:
1109 ـ وما الدُّنيا بباقاةٍ علينا   وما حَيٌّ على الدنيا بباقِ
ويَقُولون في الناصيةِ: ناصاةٌ. وقرأ الحسنُ أيضاً: " بَقِيْ " بتسكين الياء، قال المبرد: " تسكينُ ياءِ المنقوصِ في النصب مِنْ أحسنِ الضرورةِ، هذا مع أنه مُعربٌ فهو في الفعلِ الماضي أحسنُ " قلت: وإذا كانوا قد حَذَفوها من الماضي صحيحَ الآخرَ فَأَوْلى من حرفِ العلةِ، قال:
1110 ـ إنما شِعْرِيَ قَيْدٌ   قد خُلْطَ بجُلْجُلانْ
وقال جرير في تسكينِ الياء:
1111 ـ هو الخليفةُ فارضُوا ما رَضِيْ لكمُ   ماضي العزيمةِ ما في حُكْمِهِ جَنَفُ
وقال آخر:
1112 ـ لَعَمْرُكَ لا أخشى التَّصَعْلكَ ما بقِي   على الأرضِ قَيْسِيٌّ يسوق الأباعرا
قوله: { مِنَ ٱلرِّبَا } متعلِّقٌ ببقيَ كقولهم: " بَقِيَتْ منه بقيةٌ " ، والذي يظهر أنه متعلقٌ بمحذوفٍ على أنه حالٌ من فاعلِ " بقَى " ، أي: الذي بقي حالَ كونِهِ بعضَ الربا، فهي تبعيضيةٌ.

ونَقَل ابنُ عطية هنا أنَّ العدويَّ - وهو أبو السَّمَّال - قرأ " من الرِّبُو " بتشديدِ الراء مكسورةً، وضمِّ الباءِ بعدَها واوٌ. قلت: قد قَدَّمْتُ أن أبا السَّمَّال إنما قرأ " الربا " في أولِ الآيةِ بواوٍ بعد فتحةِ الباءِ، وأنَّ أبا زيدٍ حَكَى عن بعضِهم أنه ضَمَّ الباءَ، وقدَّمْتُ تخريجَهما على ضعفه.

وقال ابن جني: " شَذَّ هذا الحرفُ في أَمْرين، أحدُهما: الخروجُ من الكسرِ إلى الضم بناءً لازماً، والآخر: وقوعُ الواوِ بعدَ الضمةِ في آخرِ الاسمِ، وهذا شيءٌ لم يأتِ إلا في الفعلِ نحو:/ يَغْزُو وَيَدْعُو، وأَمَّا " ذو " الطائية بمعنى الذي فشاذةٌ جداً، ومنهم مَنْ يُغَيِّرُ واوَها إذا فارَقَ الرفعَ، فيقولُ: " رأيتُ ذا قام " ، ووجهُ القراءةِ أنه لمَّا فَخَّم الألفَ انتحى بها الواوَ التي الألفُ بدلٌ منها، على حَدِّ قولهم: الصلاةُ والزكاةُ، وهي بالجملةِ قراءةٌ شاذةٌ ". قلت: غيرُهُ يقيِّدُ العبارَةَ فيقولُ: " ليسَ في الأسماء المُعْرَبَةِ واوٌ قَبْلَهَا ضمةٌ " حتى يُخرجُ عنه " ذو " بمعنى الذي و " هو " من الضمائر، وابنُ جني لم يَذْكِر القيدَ استثنى " ذو الطائية " ويَرِدُ عليه نحو " هو " ، ويَرِدُ على العبارةِ " ذو " بمعنى صاحب فإنَّها معربةٌ آخرِها واوٌ بعدَ ضمةٍ.

السابقالتالي
2