الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ يَمْحَقُ ٱللَّهُ ٱلرِّبَٰواْ وَيُرْبِي ٱلصَّدَقَٰتِ وَٱللَّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ }

قوله تعالى: { يَمْحَقُ ٱللَّهُ ٱلْرِّبَا وَيُرْبِي }: الجمهورُ على التخفيفِ في الفعلين من مَحَقَ وأَرْبى. وقرأ ابن الزبير: ورُويت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم " يُمْحِّق ويُرَبِّي " بالتشديدِ فيهما من " مَحَّق ورَبَّى " بالتشديدِ فيهما.

وقوله: { سَلَفَ } سَلَفَ بمعنى مَضَى وانقضى، ومنه: سالفُ الدهرِ، وله سَلَفٌ صالح: آباءٌ متقدِّمون. ومنهفَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفاً } أي: أمةً متقدمةً يَعتبر بهم مَنْ بعدهم. ويُجمع السَّلَفُ على: أَسْلاف وسُلوف. والسالِفَةُ والسُّلاف: المتقدِّمون في حربٍ أو سفرٍ. والسالفةُ من الوجه لتقدُّمها. قال:
1103 ـ ومَيَّةُ أحسنُ الثَّقَلَيْنِ جِيداً   وسالفةً وأَحْسَنْه قَذالا
وسُلافة الخمر قيل لها ذلك لتقدُّمها على العَصْرِ. والسُّلْفَةُ ما يُقَدَّم من الطعامِ للضيفِ. يُقال: " سَلِّفوا ضيفكم ولَهِّنوه " أي: بادِروه بشيء ما. ومنه: السَّلَفُ في الدَّيْن لأنه تقدَّمه مالٌ.

وقوله: { عَادَ } أي: رَجَعَ، يُقال: عادَ يعود عَوْداً ومَعاداً، وعن بعضهم أنها تكونَ بمعنى صار، وعليه:
1104 ـ وبالمَحْضِ حتى عاد جَعْداً عَنَطْنَطَا   إذا قام ساوى غاربَ الفَحْلِ غاربُه
وأنشدوا
1105 ـ تُعِدُّ لكم جَزْرُ الجَزُورِ رماحُنا   ويَرْجِعْنَ بالأسيافِ مُنْكَسِرَاتِ
والمَحْقُ: النقصُ، يُقال: مَحَقْتُهُ فانمَحَقَ، وامتَحَقَ، ومنه المُحاق في القمر، قال:
1106 ـ يَزْداد حتى إذا ما تَمَّ أَعقَبهُ   كَرُّ الجديدَيْنِ نَقْصاً ثم يَنْمَحِقُ
وأنشد ابن السكيت:
1107 ـ وَأَمْصَلْتُ مالي كلَّه بحياتِهِ   وماسُسْتَ من شيءٍ فَرَبُّكَ ماحِقُهْ
ويقال: هَجِيرٌ ماحِقٌ: إذا نَقَصَ كلُّ شىءٍ بِحَرِّه.

وقد اشتملَتْ هذه الآيةُ على نوعين من البديع، أحدُهما: الطباقُ في قولِه: " يَمْحَقُ ويُرْبي " فإنهما ضِدَّان، نحو:أَضْحَكَ وَأَبْكَىٰ } [النجم: 43]، والثاني: تجنيسُ التغايرِ في قولِهِ: " الرِّبا ويُرْبى " إذ أحدُهما اسمٌ والآخرُ فِعْلٌ.