الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَآ أَنفَقْتُمْ مِّن نَّفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِّن نَّذْرٍ فَإِنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ }

قوله تعالى: { وَمَآ أَنفَقْتُمْ مِّن نَّفَقَةٍ }: كقولِهِ:مَا نَنسَخْ } [البقرة: 106]وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ } [البقرة: 197] وقد تقدَّم تحقيقُ القولِ فيهما. وتقدَّم أيضاً مادة " نذر " في قوله:أَأَنذَرْتَهُمْ } [البقرة:6]، إلاَّ أنَّ النَّذْرَ له خصوصيةٌ: وهو عقدُ الإِنسانِ ضميره على شيءٍ والتزامُهُ، وفعلُهُ: نَذَرَ - بالفتح - ينذُرُ وينذِرُ: بالكسرِ والضَّمِّ في المضارع، يُقال: نَذَرَ فهو ناذِرٌ، قال عنترة:
1077 - الشاتِمَيْ عِرْضي ولَمْ أَشْتُمهما   والناذِرين إذا لمَ ألقهما دَمي
وقولُه: { فَإِنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُهُ } جوابُ الشرطِ إنْ كانَت " ما " شرطيةً، أو زائدةٌ في الخبرِ إنْ كانَتْ موصولةً. ووحَّد الضميرَ في " يَعْلَمُهُ " وإنْ كان قد تقدَّم شيئان: النَّفقةُ والنَّذْرَ لأنَّ العطفَ هنا بـ " أو " ، وهي لأحدِ الشيئين، تقول: " إن جاء زيدٌ أو عمروٌ أكرمته " ، ولا يجوز: أكرمتهما، بل يجوز أَنْ تراعيَ الأولَ نحو: " زيدٌ أو هندٌ منطلقٌ، أو الثانيَ نحو: زيدٌ أو هندٌ منطلقة، والآيةُ من هذا، ولا يجوزُ أَنْ يُقالَ: منطلقان. ولهذا تَأوَّل النحْويون:إِن يَكُنْ غَنِيّاً أَوْ فَقَيراً فَٱللَّهُ أَوْلَىٰ بِهِمَا } [النساء: 135] كما سيأتي. ومن مراعاةِ الأولِ قولُهُ:وَإِذَا رَأَوْاْ تِجَارَةً أَوْ لَهْواً ٱنفَضُّوۤاْ إِلَيْهَا } [الجمعة: 11]، وبهذا الذي قررته لا يُحتاجُ إلى تأويلاتٍ ذكرها المفسرون هنا: فرُوي عن النحاس أنه قال: " التقديرُ: وما أنفقتم من نفقةٍ فإن الله يعلَمُها، أو نَذَرْتُم من نَذْرٍ فإنَّ الله يعلَمُهُ، فَحُذِفَ، ونظَّره بقوله:وَٱلَّذِينَ يَكْنِزُونَ ٱلذَّهَبَ وَٱلْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا } [التوبة: 34] وقولِهِ:
1078 ـ نحنُ بما عندَنَا وأنت بما   عندَكَ راضٍ والرأيُ مختلِفُ
وقولِ الآخر:
1079 ـ رماني بأمرٍ كنت منه ووالدي   بريئاً ومن أجل الطَوِيِّ رماني
وهذا لا يُحتاج إليه؛ لأنَّ ذلك إنما هو في الواوِ المقتضيةِ للجَمْع بين الشيئين، وأمَّا " أو " المقتضيةُ لأحدِ الشيئين فلا. وقال ابن عطية: " وَوَحَّدَ الضمير في " يَعْلَمُهُ " وقد ذَكَرَ شيئين من حيث إنه أراد ما ذَكَرَ أو ما نَصَّ، ولا حاجَةَ إلى هذا أيضاً لِمَا عَرَفَتْ من حكم " أو ".