الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَآءُ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ ٱلأَلْبَابِ }

قوله تعالى: { وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ }: الجمهورُ على " يُؤْتِي " " ومَنْ يُؤْتَ " بالياءَ فيهما، وقرأ الربيع بن خيثم بالتاءِ على الخطاب فيهما. وهو خطابٌ للباري على الالتفاتِ. وقرأ الجمهور: " ومن يُؤْتَ " مبنياً للمفعول، والقائمُ مقامَ الفاعلِ ضميرُ " مَنْ " الشرطيةِ، وهو المفعولُ الأولُ، و " الحكمةَ " مفعولٌ ثانٍ. وقرأ يعقوب: " يُؤْتِ " مبنياً للفاعل، والفاعلُ ضميرُ الله تعالى، و " مَنْ " مفعولٌ مقدمٌ، و " الحكمة " مفعولٌ ثان كقولِك؛ " يَّاً يُعْطِ زيدٌ درهماً أُعْطِه درهماً ".

وقال الزمخشري: بمعنى " ومَنْ يُؤتِهِ اللهُ ". قال الشيخ: " إن أرادَ تفسيرَ المعنى فهو صحيحٌ، وإن أرادَ الإِعرابَ فليس كذلك، إذ ليس ثَمَّ ضميرُ نصبٍ محذوفٌ، بل مفعولٌ " يُؤْتِ " مَنْ الشرطيةُ المتقدمةُ. قلت: ويؤيِّدُ تقديرَ الزمخشري قراءةُ الأعمش: { ومَنْ يُؤْتِه الحكمةَ } بإثباتِ هاءِ الضمير، و " مَنْ " في قراءتِه مبتدأٌ لاشتغالِ الفعلِ بمعمولهِ، وعند مَنْ يجوِّزُ الاشتغالَ في أسماء الشرطِ والاستفهامِ يجُّوز في " مَنْ " النصبَ بإضمارِ فعلٍ، ويقدِّرُه متأخراً، والرفعُ على الابتداءِ، وقد تقدَّم تحقيق هذهِ في غضونِ هذا الإِعرابِ.

وقوله: { أُوتِيَ } جوابُ الشرطِ، والماضي المقترنُ بقد الواقعُ جواباً للشرطِ تارةً يكونُ ماضيَ اللفظِ مستقبلَ المعنى كهذه الآية، فهو الجوابُ حقيقةً، وتارةً يكونُ ماضيَ اللفظِ والمعنى نحو:وَإِن يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَتْ } [فاطر: 4] فهذا ليسَ جواباً، بل الجوابُ محذوفٌ أي: فَتَسَلَّ فقد كُذِّبَتْ رسلٌ، وسيأتي له مزيدُ بيانٍ.

والتنكيرُ في " خيراً " قال الزمخشري: " يفيدُ التعظيمَ كأنه قال: فقد أُوتِي أيَّ خيرٍ كثير ". قال الشيخ: " وتقديرُه هكذا يُؤدي إلى حَذْفِ الموصوفِ بـ " أي " وإقامةِ الصفةِ مُقامَه، فإنَّ التقديرَ: فقد أوتي خيراً أيَّ خيرٍ كثيرٍ، وإلى حذفِ " أيَّ " الواقعةِ صفةً، وإقامةِ المُضاف إليها مُقامَها، وإلى وصفِ ما يُضاف إليه " أي " الواقعةُ صفةً نحو: مَرَرْتُ برجلٍ أيِّ رجلٍ كريمٍ، وكلُّ هذا يَحْتاج إثباتُه إلى دليل، والمحفوظُ عن العربِ أنَّ " أياً " الواقعةَ صفةً تُضاف إلى ما يُماثِلُ الموصوف نحو: " دَعَوْتُ أمرَأً أيَّ امرىءٍ، فأجابني " وقد يُحْذَفُ الموصوفُ بأيّ كقوله:
1076 ـ إذا حارَب الحَجَّاجُ أيَّ منافقٍ   .....................
تقديرُهُ: منافقاً أيَّ منافقٍ، وهذا نادرٌ، وقد تقدَّم أَنَّ تقديرَ الزمخشري كذلك، أعني كونَه حَذَفَ موصوفَ أيّ. وأصلُ " يَذَّكَّرُ ": يَتَذَكَّر فَأَدْغَمَ.