قوله تعالى: { مِّن نَّخِيلٍ }: في محلِّ رفعٍ صفةً لجنة، أي: كائنةٍ من نخيل. و " نخيل " فيه قولان، أحدُهما: أنه اسمُ جمعٍ. والثاني: أنه جمعُ " نخل " الذي هو اسمُ الجنسِ، ونحوه: كَلْب وكَلِيب. قال الراغب: " سُمِّي بذلك لأنه منخولُ الأشجار وصَفِيُّها، لأنه أكرمُ ما يَنْبُتُ " وذَكَرَ له منافَع وشَبَهاً من الآدميين. والأعناب: جمع عِنَبَة، ويقال: " عِنَباء " مثل " سِيرَاء " بالمدِّ، فلا ينصرفُ. وحيث جاء في القرآن ذِكْرُ هذين فإنما يَنُصُّ على النخلِ دونَ ثمرتِها وعلى ثمرةِ الكَرْم دون الكَرْم، لأنَّ النخلَ كلَّه منافعُ، وأعظمُ منافِع الكَرْم ثمرتُه دونَ باقِيه. [قوله: { تَجْرِي مِن تَحْتِهَا } هذه الجملةُ في محلِّها وجهان، أحدهما: أنَّها في محلِّ رفعٍ صفةً لجنة]. والثاني: أنها في محلِّ نصب، وفيه أيضاً وجهان فقيل: على الحالِ من " جَنَّة " لأنها قد وُصِفَت. وقيل: على أنها خبرُ " تكون " نقله مكي. قوله: { لَهُ فِيهَا مِن كُلِّ ٱلثَّمَرَاتِ } جملةٌُ من مبتدأٍ وخبرٍ، فالخبرُ قولُه: " له " و { مِن كُلِّ ٱلثَّمَرَاتِ } هو المبتدأُ، وذلك لا يَسْتَقِيم على الظاهر، إذ المبتدأ لا يكونُ جاراً ومجروراً فلا بدَّ من تأويلِه. واختُلف في ذلك، فقيل: المبتدأ في الحقيقةِ محذوفٌ، وهذا الجارُّ والمجرورُ صفةٌ قائمةٌ مقامَه، تقديرُه: " له فيها رزقٌ من كلِّ الثمراتِ أو فاكهةٌ من كلِّ الثمرات " فَحُذِف الموصوفُ وبقيت صفتُه: ومثله قولُ النابغة:
1071 ـ كأنَّك من جِمالِ بني أُقَيْشٍ
يُقَعْقِعُ خلفَ رِجْلَيه بِشَنِّ
أي: جَمَلٌ من جمالِ بني أُقَيْشٍ، وقولُه تعالى:{ وَمَا مِنَّآ إِلاَّ لَهُ مَقَامٌ [مَّعْلُومٌ] } [الصافات: 164] أي: وما منا أحدٌ إلا له مقامٌ. وقيل: " مِنْ " زائدةٌ تقديرُه: له فيها كلُّ الثمرات، وذلك عند الأخفش لأنه لا يَشْتَرِط في زيادتها شيئاً. وأمَّا الكوفيون فيشترطون التنكير، والبصريون يَشْتَرِطُونه وعدَم الإِيجاب، وإذا قلنا بالزيادة فالمرادُ بقوله: " كلّ الثمرات " التكثيرُ لا العمومُ، لأنَّ العمومَ متعذَّرٌ. قال أبو البقاء: " ولا يجوزُ أَنْ تكونَ " مِنْ " زائدةً لا على قولِ سيبويه ولا قولِ الأخفش، لأنَّ المعنى يصير: له فيها كلُّ الثمراتِ، وليسَ الأمرُ على هذا، إلاَّ أَنْ يُراد به هنا الكثرة لا الاستيعاب فيجوزُ عند الأخفش، لأنه يُجَوِّزُ زيادةَ " مِنْ " في الواجب. قوله: { وَأَصَابَهُ ٱلْكِبَرُ } فيه ثلاثةُ أوجهٍ، أحدُها: أَنَّ الواوَ للحالِ، والجملةُ بعدها في محلِّ نصبٍ عليها، و " قد " مقدرةٌ أي: وقد أَصابه، وصاحبُ الحال هو " أحدُكم " ، والعاملُ فيها " يَودُّ " ونظيرُها:{ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُمْ } [البقرة: 28]، وقوله تعالى:{ وَقَعَدُواْ لَوْ أَطَاعُونَا } [آل عمران: 168] أي: وقد كُنتم، وقد قَعَدوا.