الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِـي ٱلْمَوْتَىٰ قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَىٰ وَلَـكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ ٱلطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ ٱجْعَلْ عَلَىٰ كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ٱدْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً وَٱعْلَمْ أَنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }

قوله تعالى: { وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ }: في العامل في " إذ " ثلاثةُ أوجهٍ، أظهرُها: أنه قال: { أَوَلَمْ تُؤْمِن } أي: قال له ربُّه وقتَ قولِه ذلك. والثاني: أنه " ألم تَرَ " أي: ألم تر إذا قال إبراهيم. والثالث: أنه مضمرٌ تقديرُه: واذكر. فـ " إذ " على هذين القولين مفعولٌ به لا ظرفٌ. و " ربِّ " منادى مضافٌ لياءِ المتكلم، حُذِفَتْ استغناءً عنها بالكسرةِ قبلَها، وهي اللغةُ الفصيحةُ، وحُذِفَ حرفُ النداءِ.

وقوله: { أَرِنِي } تقدَّم ما فيه من القراءاتِ والتوجيهِ في قوله:وَأَرِنَا } [البقرة: 128]. والرؤيةُ هنا بصريةٌ تتعدَّى لواحدٍ، ولَمَّا دخلَتْ همزةُ النقلِ أكسبته مفعولاً ثانياً، والأول ياء المتكلم، والثاني الجملة الاستفهامية، وهي معلقة للرؤية و " رأى " البصرية تُعَلَّق كما تعلق " نظر " البصرية، ومن كلامهم: " أما تَرى أيُّ برقِ ههنا ".

و " كيف " في محلِّ نصبٍ: إمَّا على التشبيه بالظرفِ، وإمَّا على التشبيهِ بالحال كما تقدَّم فيكَيْفَ تَكْفُرُونَ } [البقرة: 28]. والعاملُ فيها " تُحْيي " وقَدَّره مكي: بأي حالٍ تُحْيي الموتى، وهو تفسيرُ معنىً لا إعرابٍ.

قوله: { قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن } في هذه الواوِ وجهان، أظهرُهما: أنها للعطفِ قُدِّمَتْ عليها همزةُ الاستفهامِ لأنها لها صدرُ الكلامِ كما تقدَّم تحريرُه غيرَ مرةٍ، والهمزةُ هنا للتقريرِ، لأنَّ الاستفهامَ إذا دخل على النفي قَرَّره كقوله:
1061 ـ ألستُمْ خيرَ مَنْ رَكِبَ المطايا   وأندى العاملينَ بطونَ راحِ
[و]:أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ } [الانشراح: 1]، المعنى: أنتم خيرُ، وقد شَرَحْنا.

والثاني: أنها واوُ الحالِ، دَخَلَت عليها ألفُ التقريرِ، قاله ابن عطية، وفيه نظرٌ من حيث إنها إذا كانَتْ للحالِ كانَتِ الجملةُ بعدَها في محلِّ نصبٍ، وإذا كانَتْ كذلك استدعَتْ ناصباً وليس ثَمَّ ناصبٌ في اللفظِ، فلا بدَّ من تقديرِه: والتقدير " أسألْتَ ولم تؤمِنْ " ، فالهمزةُ في الحقيقةِ إنما دَخَلَتْ على العاملِ في الحالِ. وهذا ليس بظاهرِ، بل الظاهرُ الأولُ، ولذلك أُجيبت ببلى، وعلى ما قالَ ابنُ عطية يَعْسُر هذا المعنى. وقوله " بلى " جوابٌ للجملةِ المنفيَّةِ وإنْ صارَ معناها الإِثباتَ اعتباراً باللفظِ لا بالمعنى، وهذا من قسمِ ما اعتُبر فيه جانبُ اللفظِ دون المعنى، نحو:سَوَآءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ } [البقرة: 6] وقد تقدَّم تحقيقُه.

قوله: { لِّيَطْمَئِنَّ } اللامُ لامُ كي، فالفعلُ منصوبٌ بعدها بإضمار " أَنْ " ، وهو مبنيٌّ لاتصالِه بنونِ التوكيدِ، واللامُ متعلقةٌ بمحذوفٍ بعد " لكنْ " تقديرُه: ولكنْ سألتك كيفية الإِحياء للاطمئنانِ، ولا بُدَّ من تقديرِ حذفٍ آخرَ قبلَ " لكنْ " حتى يَصِحَّ معه الاستدراكُ والتقديرُ: بلى آمنْتُ وما سألتُ غيرَ مؤمنٍ، ولكنْ سألتُ ليطمئِنَّ قلبي.

السابقالتالي
2 3 4