الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِي حَآجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ ٱللَّهُ ٱلْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ ٱلَّذِي يُحْيِـي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِـي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ ٱللَّهَ يَأْتِي بِٱلشَّمْسِ مِنَ ٱلْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ ٱلْمَغْرِبِ فَبُهِتَ ٱلَّذِي كَفَرَ وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلظَّالِمِينَ }

قوله تعالى: { أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِي }: تقدَّم نظيرُه في قوله:أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ خَرَجُواْ } [البقرة: 243]. وقرأ عليٌّ رضي الله عنه: " تَرْ " بسكون الراء، وتقدَّم أيضاً توجيهُها. والهاءُ في " ربه " فيهما قولان، أظهرهُما: أنها تعودُ على " إبراهيم " ، والثاني: تعودُ على " الذي " ، ومعنى حاجَّه: أظهرَ المغالَبَة في حُجَّتِهِ.

قوله: { أَنْ آتَاهُ ٱللَّهُ } فيه وجهان، أظهرهُما: أنه مفعولٌ من أجله على حذفِ حرفِ العلةِ، أي: لأنْ آتاه، فحينئذٍ في محلِّ " أَنْ " الوجهان المشهوران، أعني النصبَ أو الجرَّ، ولا بُدَّ من تقديرِ حرفِ الجرِ قبل " أَنْ " لأنَّ المفعول من أجله هنا نَقَّص شرطاً وهو عدمُ اتحادِ الفاعلِ، وإنما حُذِفَت اللام، لأنَّ حرفَ الجرِّ يطَّرد حَذْفُهُ معها ومع أنَّ، كما تقدَّم غيرَ مرة. وفي كونِهِ مفعولاً من أجلِهِ معنيان، أحدُهما: أنه من بابِ العكسِ في الكلام بمعنى أنه وَضَعَ المُحَاجَّة موضعَ الشكر، إذ كان من حَقِّه أن يشكرَ في مقابلة إتيانِ المُلْك، ولكنه عَمِلَ على عكس القضية، ومنه:وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ } [الواقعة: 82]، وتقول: " عاداني فلانٌ لأني أَحْسنت أليه " وهو باب بليغٌ. والثاني: أنَّ إيتاءَ المُلْكِ حَمَلَه على ذلك، لأنه أورثه الكِبْرَ والبَطَرَ، فتسبَّب عنهما المُحاجَّةُ.

الوجه الثاني: أنَّ " أَنْ " وما في حَيِّزها واقعةٌ موقعَ ظرفِ الزمان، قال الزمخشري: " ويجوزُ أن يكونَ التقديرُ: حاجَّ وقتَ أَنْ آتاه ". وهذا الذي أجازه الزمخشري محلُّ نظرٍ، لأنه إنْ عنى أنَّ ذلكَ على حَذْفِ مضاف ففيه بُعْدٌ من جهةِ أنَّ المُحاجَّةَ لم تقعْ وقتَ إيتاءِ اللهِ له المُلْكَ، إلا أنْ يُتَجَوَّزَ في الوقتِ، فلا يُحْمَل على الظاهِرِ، وهو أنَّ المُحاجَّة وَقَعَتْ ابتداءَ إيتاءِ المُلْك، بل يُحْمَلُ على أنَّ المُحاجَّة وقعتْ وقتَ وجودِ المُلْك، وإنْ عنى أَنْ " أَنْ " وما في حَيَّزها واقعةٌ موقعَ الظرفِ فقد نَصَّ النحويون على منعِ ذلك وقالوا: لا يَنْوب عن الظرفِ الزماني إلا المصدرُ الصريحُ، نحو: " أتيتُك صياحَ الديك " ولو قلت: " أن يصيح الديك " لم يَجُزْ. كذا قاله الشيخ، وفيه نظرٌ، لأنه قال: " لا ينوبُ عن الظرفِ إلا المصدرُ الصريحُ " وهذا معارَضٌ بأنهم نَصُّوا على أنَّ " ما " المصدريةَ تنوبُ عن الزمان، وليست بمصدرٍ صريحٍ.

والضمير في " آتاه " فيه وجهان، أحدُهما - وهو الأظهرُ - أن يعودَ على " الذي " ، وأجاز المهدوي أن يعودَ على " إبراهيم " أي: مَلَكَ النبوة. قال ابن عطية: " هذا تحاملٌ من التأويل " وقال الشيخ: " هذا قولُ المعتزلة، قالوا: لأنَّ الله تعالى قال:

السابقالتالي
2 3