الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱللَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ ٱلْحَيُّ ٱلْقَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ لَّهُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ مَن ذَا ٱلَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَآءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ ٱلْعَلِيُّ ٱلْعَظِيمُ }

قوله تعالى: { ٱللَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ [ٱلْحَيُّ] }: مبتدأٌ وخبرٌ. و " الحيّ " فيه سبعةُ أوجه، أحدُها: أن يكونَ خبراً ثانياً للجلالة. الثاني: أن يكونَ خبراً لمبتدأ محذوف أي: هو الحيُّ. الثالث: أن يكونَ بدلاً من قوله: " لا إله إلا الله هو " فيكونَ في المعنى خبراً للجلالةِ، وهذا في المعنى كالأولِ، إلا أنه هنا لم يُخْبَرْ عن الجلالةِ إلاَّ بخبرٍ واحدٍ بخلافِ الأول. الرابع: أن يكونَ بدلاً من " هو " وحدَه، وهذا يبقى من بابِ إقامةِ الظاهرُ مُقامَ المضمرِ، لأنَّ جملةَ النفي خبرٌ عن الجلالةِ، وإذا جعلتَه بدلاً حَلَّ محَلَّ الأولِ فيصيرُ التقدير: الله لا إله إلا اللهُ. الخامس: أن يكون مبتدأً وخبرُه { لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ }. السادس: أنه بدلٌ من " الله " السابع: أنه صفة لله، وهو أجودُها، لأنه قرىء بنصبِهما " الحيَّ القيومَ " على القطع، والقطعُ إنما هو في باب النعتِ، لا يقال في هذا الوجهِ الفصلُ بين الصفة والموصوفِ بالخبرِ، لأنَّ ذلك جائزٌ حسن [تقول: زيدٌ قائمٌ العاقلُ].

و " الحيُّ " فيه قولان، أحدهما: أن أصله حَيْيٌ بياءين من حَيي يَحْيَا فهو حيٌّ، وهذا واضح، وإليه ذهب أبو البقاء. والثاني: أن أصلَه حَيْوٌ فلامه واو، فَقُلِبت الواوُ ياءً لانكسارِ ما قبلها متطرفةً، وهذا لا حاجةَ إليه وكأنَّ الذي أَحْوجَ هذا القائلَ إلى ادِّعاء ذلك أنَّ كونَ العينِ واللامِ من وادٍ واحد هو قليلٌ في كلامِهم بالنسبةِ إلى عَدَمِ ذلك فيه، ولذلك كتبوا " الحياة " بواوٍ في رسم المصحف العزيز تنبيهاً على هذا الأصلِ، ويؤيده " الحيوان " لظهورِ الواو فيه. ولناصِر القول الأول أن يقول: قلبت الياءُ الثانيةُ واواً تخفيفاً، لأنه لمّا زيد في آخره ألفٌ ونونٌ استثُقْل المِثْلان.

وفي وزنه أيضاً قولان، أحدُهما: أنه فَعْل، والثاني: أنه فَيْعِل فَخُفِّف، كما قالوا مَيْت وهَيْن، والأصل: هَيّن ومَيّت.

والقَيُّوم: فَيْعُول من قام بالأمر يَقُوم به إذا دَبَّره، قال أمية:
1031 ـ لم تُخْلَقِ السماءُ والنجومُ   والشمسُ معها قَمَر يَعُومُ
قَدَّره مهيمنٌ قَيُّومُ   والحشرُ والجنةُ والنعيمُ
إلا لأمرٍ شأنُه عظيمُ   
وأصلُه قَيْوُوم، فاجتمعت الياءُ والواوُ وسَبَقَت إحداهما بالسكون فَقُلِبت الواوُ ياءً وأُدغمت فيها الياءُ فصارَ قَيُّوماً.

وقرأ ابن مسعود والأعمش: " القَيَّام " ، وقرأ علقمة: " القَيِّم " وهذا كما يقولون: دَيُّور وديار ودَيِّر. ولا يجوز أن يكونَ وزنُه فَعُّولاً كـ " سَفُّود " إذ لو كان كذلك لكان لفظُه قَوُّوما، لأن العينَ المضاعَفَةَ أبداً من جنس الأصلية كسُبُّوح وقُدُّوس وضَرَّاب وقَتَّال، فالزائدُ من جنسِ العَيْنِ، فلمَّا جاء بالياء دونَ الواوِ علمنا أن أصله فَيْعُول لا فَعُّول؛ وعدَّ بعضُهم فَيْعُولاً من صيغ المبالغة كضَرُوب وضَرَّاب.

السابقالتالي
2 3 4