الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ أَنْفِقُواْ مِمَّا رَزَقْنَٰكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خُلَّةٌ وَلاَ شَفَاعَةٌ وَٱلْكَٰفِرُونَ هُمُ ٱلظَّٰلِمُونَ }

قوله تعالى: { أَنْفِقُواْ }: مفعولُه محذوفٌ، تقديرُه: شيئاً ممَّا رزقناكم فعلى هذا " ممَّا رزقناكم " متعلقٌ بمحذوفٍ في الأصل لوقوعِه صفةٌ لذلك المفعولِ، وإنْ لم تقدِّرْ مفعولاً محذوفاً فتكونُ متعلقةً بنفسِ الفعلِ.

و " ما " يجوزُ أَنْ تكونَ بمعنى الذي، والعائدُ محذوفٌ أي: رزقناكُموه، وأن تكونَ مصدريةً فلا حاجةَ إلى عائدٍ، ولكن الرزقَ المرادَ به المصدرُ لا يُنفقُ، فالمراد به اسمُ المفعول، وأن تكونَ نكرةً موصوفةً وقد تقدَّم تحقيقُ هذا عند قولِه:وَممَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ } [البقرة: 3].

قوله: { مِّن قَبْلِ } متعلقٌ أيضاً بأنفِقوا، وجاز تعلُّقُ حرفين بلفظٍ واحدٍ بفعلٍ واحدٍ لاختلافِهما معنىً؛ فإنَّ الأولى للتبعيضِ والثانيةَ لابتداءِ الغايةِ، و " أَنْ يأتي " في محلِّ جرٍ بإضافة " قبل " إليه أي: من قبلِ إتيانه.

وقوله: { لاَّ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خُلَّةٌ } إلى آخره: الجملةُ المنفيَّةُ صفةٌ لـ " يوم " فمحلُّها الرفعُ. وقرأ/ " بَيْعٌ " وما بعدَه مرفوعاً منوناً نافع والكوفيون وابن عامر، وبالفتح أبو عمرو وابن كثير، وتوجيهُ ذلك، مذكورٌ في قوله:فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ } [البقرة: 197] فليُنْظر ثَمَّةَ.

والخُلَّة: الصداقة كأنها تتخلَّل الأعضاء، أي: تدخل خلالها، أي وَسْطَها.

والخُلَّة: الصديقُ نفسه، قال:
1030 ـ وكان لها في سالفِ الدهرِ خُلَّةً   يُسارِقُ بالطَّرْفِ الخِباءَ المُسَتَّرا
وكأنه من إطلاقِ المصدرِ على العينِ مبالغةً، أو على حذفِ مضافٍ، أي: كان لها ذو خُلَّة. والخليلُ: الصديقُ لمداخَلَتِه إياك، ويَصْلُح أَنْ يكونَ بمعنى فاعل أو مفعول، وجَمْعُه " خُلاَّن " ، وفُعْلان جمعُ فَعيل نُقِل في الصفات، وإنما يَكْثرُ في الجوامِدِ نحو: " رُغفانٍ. وقوله: " هم الظالمون " يجوز أن يكونَ " هم " فصلاً أو مبتدأً وما بعده خبرٌ، والجملةُ خبرُ الأولِ.