الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَالَ لَهُمْ نِبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَن يَأْتِيَكُمُ ٱلتَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِّمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَىٰ وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ ٱلْمَلاۤئِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَّكُمْ إِن كُنْتُم مُّؤْمِنِينَ }

قوله تعالى: { أَن يَأْتِيَكُمُ ٱلتَّابُوتُ }: " أَنْ " وما في حَيِّزها في محلِّ رفعٍ خبراً لـ " إنَّ " ، تقديرُه: إنَّ علامَة مُلْكِه إيتاؤُكم التابوت.

وفي " التابوتِ " قولان، أحدُهما: أنه فاعولٌ، ولا يُعْرَفُ له اشتقاقٌ، وَمَنَع قائلُ هذا أن يكون وَزْنُه فَعَلُوتاً مشتقاً من تابَ يَتوبُ كَمَلَكوت من المُلْكِ ورهَبوت من الرُّهْبِ، قال: لأنَّ المعنى لا يساعِدُ على ذلك. والقول الثاني: أن وزنَه فَعَلوت كمَلَكوت، وجَعَلَه مشتقاً من التَّوْب وهو الرجوعُ، وجَعَلَ معناه صحيحاً فيه، لأنَّ التابوتَ هو الصندوقُ الذي توضع فيه الأشياءُ فيَرجع إليه صاحبُه عند احتياجِه إليه، فقد جعلنا فيه معنى الرجوعِ.

والمشهورُ أن يوقَفَ على تائِه بتاءٍ من غير إبدالِها هاءً لأنها: إمَّا أصلٌ إنْ كان وزنُه فاعولاً، وإمَّا زائدةٌ لغيرِ التأنيثِ كمَلَكوت، ومنهم مَنْ يَقْلِبها هاءً، وقد قُرِىء بها شاذاً، قرأها أُبيّ وزيد بن ثابت وهي لغةُ الأنصار، ويحكى أنهم لمَّا كَتَبوا المصاحفَ زمنَ عثمانَ رضي الله عنه اختلفوا فيه فقالَ زيد: " بالهاء " ، وقال [أُبَيّ:] " بالتاء " ، فجاؤوا عثمان فقال: " اكتبوه على لغةِ قريش " يعني بالتاء.

وهذه الهاءُ هل هي أصلٌ بنفسِها فيكونُ فيه لغتان، ووزنُه على هذا فاعول ليس إلا، أو بَدَلٌ من التاءِ لأنها قريبةٌ منها لاجتماعهما في الهَمْسِ، أو إجراءً لها مُجْرى تاءِ التأنيث؟ فقال الزمخشري: " فإنْ قلت: ما وزنُ التابوت؟ قلت: لا يَخْلو أَنْ يكونَ فَعَلوتا أو فاعولا، فلا يكون فاعولا لقلةِ نحو سَلِسٌ وقَلِقٌ " ، يعني أنَّ اتِّحاد الفاءِ واللامِ في اللفظِ قليلٌ جداً. " ولأنه تركيبٌ غيرُ معروفٍ " يعني في الأوزان العربية، ولا يجوز تَركُ المعروفِ [إليه] فهو إذاً فَعَلوت من التوبِ وهو الرجوعُ، لأنه ظرفٌ تُودَعُ فيه الأشياءُ فَيُرْجَعُ إليه كلَّ وقتٍ.

وأَمَّا مَنْ قرأ بالهاءِ فهو فاعول عندَه، إلاَّ مَنْ يَجْعَلُ هاءَه بدلاً من التاءِ لاجتماعِهِما في الهَمْسِ، ولأنهما من حروفِ الزيادة، ولذلك أُبْدِلَتْ منه تاءِ التَّأنِيثِ.

قوله: { فِيهِ سَكِينَةٌ } يجوز أن يكونَ " فيه " وحدَه حالاً من التابوت، فيتعلَّقَ بمحذوفٍ، ويرتفعُ " سكينة " بالفاعلية، والعاملُ فيه الاستقرارُ والحالُ هنا من قبيلِ المفردات، ويجوزُ أن يكونَ " فيه " خبراً مقدماً. و " سكينةٌ " مبتدأ مؤخراً، والجملةُ في محلِّ نصبٍ على الحال، والحالُ هنا من قبيلِ الجملِ. و " سكينةٌ " فعيلة من السكون، وهو الوقارُ. وقرأ أبو السَّمَّال بتشديدِ الكافِ، قال الزمخشري: " وهو غريبٌ ".

قوله: { مِّن رَّبِّكُمْ } يجوز أن يتعلَّقَ بمحذوفٍ على أنه صفةٌ لـ " سكينة " ، ومحلُّه الرفعُ.

السابقالتالي
2