الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً وَصِيَّةً لأَزْوَاجِهِمْ مَّتَاعاً إِلَى ٱلْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ فِيۤ أَنْفُسِهِنَّ مِن مَّعْرُوفٍ وَٱللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }

قوله تعالى: { وَٱلَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ } فيه ثمانية أوجهٍ، أحدُها: أنه مبتدأ، و " وصيةًٌ " مبتدأٌ ثانٍ، وسَوَّغَ الابتداءَ بها كونُها موصوفةً تقديراً، إذ التقديرُ: " وصيةٌ من الله " أو " منهم " على حَسَبِ الخلافِ فيها: أهي واجبةٌ من الله أو مندوبةٌ للأزواج؟ و " لأزواجِهم " خبرُ المبتدأ الثاني فيتعلَّقُ بمحذوفٍ، والمبتدأُ الثاني وخبرُهُ خبرُ الأولِ. وفي هذه الجملةِ ضميرُ الأولِ. وهذه نظيرُ قولِهِم: " السمنُ مَنَوانِ بدرهمٍ " تقديرُهُ: مَنَوانِ منه، وجَعَلَ ابنُ عطية المسوِّغَ للابتداء بها كونَها في موضِعِ تخصيصٍ. قال: " كما حَسُنَ أَنْ يرتفعَ: " سلامٌ عليك " و " خيرٌ بين يديك " لأنها موضعُ دعاءٍ " وفيه نظرٌ.

والثاني: أن تكونَ " وصيةٌ " مبتدأٌ، و " لأزواجِهم " صفتَها، والخبرُ محذوفٌ، تقديرُهُ: فعليهم وصيةٌ لأزواجِهم، والجملةُ خبرُ الأول.

والثالث: أنها مرفوعةٌ بفعلٍ محذوفٍ تقديرُه: كُتِبَ عليهم وصيةٌ، و " لأزواجهم " صفةٌ، والجملةُ خبرُ الأولِ أيضاً. ويؤيِّد هذا قراءةُ عبدِ الله: " كُتِبَ عليهم وصيةٌ " وهذا من تفسيرِ المعنى لا الإِعرابِ، إذ ليس هذا من المواضعِ التي يُضْمَرُ فيها الفعْلُ.

الرابع: " أن " الذينَ " مبتدأٌ على حَذْفِ مضافٍ من الأولِ تقديرُهُ: ووصيةُ الذين.

والخامسُ: أنه كذلك إلا أنه على حَذْفِ مضاف من الثاني: تقديرُهُ: " والذين يُتَوَفَّوْنَ أهلُ وصية " ذكر هذين الوجهين الزمخشري. قال الشيخ: " ولا ضرورةَ تدعو إلى ذلك ".

وهذه الأوجُهُ الخمسةُ فيمنَ رَفَع " وصيةٌ " ، وهم ابن كثير ونافع والكسائي وأبو بكر عن عاصم، والباقونَ يَنْصِبُونها، وارتفاعُ " الذين " على قراءتهم فيه ثلاثةُ أوجهٍ، أحدُها: أنه فاعلُ فعلٍ محذوفٍ تقديرُهُ: وَلْيُوصِ الذين، ويكون نصبُ " وصية " على المصدر. والثاني: أنه مرفوعٌ بفعلٍ مبني للمفعولِ يتعدَّى لاثنين، تقديرُه: وأُلْزِم الذين يُتَوَفَّوْنَ/ ويكونُ نصبُ " وصية " على أنها مفعولٌ ثانٍ لألْزِمَ، ذكره الزمخشري. وهو والذي قبلَه ضعيفان؛ لأنه ليس من مواضع إضمار الفعل. والثالث: أنه مبتدأٌ وخبرُهُ محذوفٌ، وهو الناصبُ لوصية تقديرُهُ: والذين يُتَوَفَّوْنَ يُوصُون وصيةً، وقَدَّرَهُ ابنُ عطية: " لِيوصوا " ، و " وصيةً " منصوبةٌ على المصدرِ أيضاً. وفي حرفِ عبد الله: " الوصيةُ " رفعاً بالابتداء والخبرُ الجارُّ بعدها، أو مضمرٌ أي: فعليهم الوصيةُ: والجارُّ بعدَها حالٌ أو خبرٌ ثانٍ أو بيان.

قوله: { مَّتَاعاً } في نصبِهِ سبعةُ أوجهٍ، أحدُها: أنَّه منصوبٌ بلفظِ " وصية " لأنها مصدرٌ منونٌ، ولا يَضُرُّ تأنيثُها بالتاءِ لبنائِها عليها، فهي كقولِهِ:
1011 ـ فلولا رجاءُ النصر مِنْكَ ورهبةٌ   عقابَك قد كانوا لنا كالموارِدِ

السابقالتالي
2