الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ وَلَن تَفْعَلُواْ فَٱتَّقُواْ ٱلنَّارَ ٱلَّتِي وَقُودُهَا ٱلنَّاسُ وَٱلْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَٰفِرِينَ }

قوله تعالى: { فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ وَلَن تَفْعَلُواْ }: " إنْ " الشرطيةُ داخلةٌ على جملة " لم تفعلوا " وتفعلوا مجزومٌ بلم، كما تدخل إنْ الشرطيةُ على فعلٍ منفي بلا نحو: { إنْ لا تفعلوه } [الأنفال: 73] فيكون " لم تفعلوا " في محلِّ جزم بها.

وقوله: " فاتَّقوا " جوابُ الشرطِ، ويكونُ قولُه: " ولَنْ تفعلوا " جملةً معترضةً بين الشرطِ وجزائه. وقال جماعةٌ من المفسرين: معنى الآيةِ: وادعوا شهداءَكم مِنْ دونِ اللهِ إنْ كنتم صادِقين، ولَنْ تَفْعلوا فإنْ لم تَفْعلوا فاتَّقوا النار. وفيه نظرٌ لا يَخْفى. وإنما قال تعالى: { فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ وَلَن تَفْعَلُواْ } فَعَبَّر بالفعلِ عن الإِتْيانِ لأن الفعلَ يجري مَجْرى الكناية، فيُعَبَّر به عن كلِّ فعلٍ ويُغْني عن طول ما تَكْني به. وقال الزمخشري: " لو لم يَعْدِلْ من لفظِ الإِتيانِ إلى لفظِ الفعلِ لاسْتُطِيل أن يقال: فإنْ لم تأتوا بسورةٍ من مثله ولَنْ تأتوا بسورةٍ مِنْ مثلِه ". قال الشيخ: " ولا يَلْزَمُ ما قال لأنه لو قال: " فإنْ لم تأتوا ولَنْ تأتوا " كان المعنى على ما ذَكَر، ويكونُ قد حَذَفَ ذلك اختصاراً، كما حَذَف اختصاراً مفعولَ { لَّمْ تَفْعَلُواْ وَلَن تَفْعَلُواْ } ، ألا ترى أنَّ التقدير: فإنْ لم تفعلوا الإِتيانَ بسورةٍ من مِثله، ولن تفعلوا الإِتيانَ بسورةٍ من مثله ".

و " لَنْ " حرفُ نَصْبٍ معناه نَفْيُ المستقبل، ويختصُّ بصيغةِ المضارع كـ " لم " ، ولا يقتضي نََفْيُه التأبيدَ، وليس أقلَّ مدةً مِنْ نفي لا، ولا نونُه بدلاً من ألفِ لا، ولا هو مركباً من " لا أَنْ " خلافاً للخليلِ، وزَعَم قومٌ أنها قد تَجْزِمُ، منهم أبو عبيدةَ وأنشدوا:
277ـ لن يَخِبْ لانَ مِنْ رجائِك مَنْ حَرْ   رَكِ مِنْ دونِ بابِك الحَلَقَهْ
وقال النابغة:
278ـ............................   فلن أُعَرِّضْ أَبَيْتَ اللَّعْنَ بالصَّفَدِ
ويُمكِنُ تأويلُ ذلك بأنه مِمَّا سُكِّنَ فيه للضرورةِ.

قوله تعالى: { فَٱتَّقُواْ ٱلنَّارَ } هذا جوابُ الشرطِ كما تقدم، والكثير في لغة العرب: " اتَّقىٰ يتَّقي " على افْتَعَل يَفْتَعِلُ، ولغة تميم وأسد: تَقَى يَتْقي مثل: رَمَى يَرْمي، فيُسكِّنون ما بعد حرفِ المضارعة، حكى هذه اللغة سيبويه، ومنهم مَنْ يُحَرِّكُ ما بعد حرف المضارعة، وأنشدوا:
279ـ تَقُوه أيُّها الفِتْيانُ إنّي   رأيتُ الله قد غَلَبَ الجُدودا
وقال آخر:
280ـ..................   تَقِ الله فينا والكتابَ الذي تتلو
قوله تعالى: { ٱلنَّارَ } مفعول به، و " التي " صفتُها، وفيها أربع اللغاتِ المتقدمةِ، كقوله:
281ـ شُغِفَتْ بك اللَّتْ تَيَّمَتْكَ فَمثلُ ما   بك ما بها مِنْ لَوْعةٍ وغَرامِ
وقال آخر:
282- فقلْ لِلَّتْ تَلُومُك إنَّ نَفْسي   أراها لا تُعَوَّذُ بالتَّميمِ
وقوله: { وَقُودُهَا ٱلنَّاسُ } جملةٌ من مبتدأ وخبر صلةٌ وعائدٌ، والألفُ واللامُ في " النار " للعهدِ لتقدُّمِ ذكرها في سورة التحريم ـ وهي مكية ـ عند قوله تعالى:

السابقالتالي
2