الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ لاَّ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن طَلَّقْتُمُ ٱلنِّسَآءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُواْ لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى ٱلْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى ٱلْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعاً بِٱلْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى ٱلْمُحْسِنِينَ }

قوله تعالى: { مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ }: في " ما " هذه ثلاثةُ أقوالٍ، أظهرُها: أن تكونُ مصدريةً ظرفيةً، تقديرُهُ: مدةَ عدمِ المَسيس كقوله:
1004 ـ إني بحبلِكَ واصلٌ حَبْلِي   وبريش نَبْلِكَ رائِشٌ نَبْلي
ما لم أَجِدْكَ على هُدَى أَثَرٍ   يَقْرُو مِقَصَّكَ قائِفٌ قَبْلي
والثاني: أن تكونَ شرطيةً بمعنى إنْ، نقله أبو البقاء. وليس بظاهرٍ، لأنه يكونُ حينئذٍ من بابِ اعتراضِ الشرطِ على الشرطِ، فيكونُ الثاني قيداً في الأول نحو: " إنْ تأتِ إنُ تُحْسِنْ إليَّ أكرمْك " أي: إنْ أتيتَ مُحْسِناً، وكذا في الآيةِ الكريمة: إنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ غيرَ ماسِّين لَهُنَّ، بل الظاهرُ أنَّ هذا القائل إنما أرادَ تفسير المعنى، لأنَّ " ما " الظرفيةَ مُشَبَّهةُ بالشرطيةِ، ولذلك تقتضي التعميم. والثالث: أن تكونَ موصولة بمعنى الذي، وتكونُ للنساءِ؛ كأنه قيلَ: إنْ طَلَّقْتُمْ النساءَ اللائي لم تَمَسُّوهُنَّ، وهو ضعيفٌ، لأنَّ " ما " الموصولةَ لا يُوصَفُ بها، وإنْ كان يوصفُ بالذي والتي وفروعِهِا.

وقرأ الجمهورُ: " تَمَسُّوهُنَّ " ثلاثياً وهي واضحةٌ. وقرأ حمزة والكسائي: " تماسُّوهُنَّ " من المفاعلَةِ، فيُحْتَمَلُ أَنْ يكونَ فاعَلَ بمعنى فَعَل كسافر، فتوافِقَ الأولى، ويُحْتَمل أَنْ تكونَ على بابِها من المشاركَةِ، فإنَّ الفعلَ مِن الرجلِ والتمكينَ من المرأةِ، ولذلك قيلَ لها زانيةٌ. ورجَّح الفارسي قراءة الجمهورِ بأنَّ أفعالَ هذا البابِ كلَّها ثلاثيةٌ نحو: نكح فرع سفد وضربَ الفحلُ.

قوله: { أَوْ تَفْرِضُواْ } فيه أربعةُ أوجهٍ، أحدها: أنه مجزومٌ عطفاً على " تَمَسُّوهُنَّ " ، و " أَو " على بابها من كونِها لأحدِ الشيئين، قاله ابن عطية. والثاني: أنه منصوبٌ بإضمار أَنْ عطفاً على مصدرٍ متوهمٍ، و " أو " بمعنى إلاَّ التقدير: ما لم تَمَسُّوهُنَّ إلا أَنْ تَفْرِضُوا، كقولِهِم: لألزَمَنَّكَ أو تقضيَني حقي، قاله الزمخشري. والثالث: أنه معطوفٌ على جملةٍ محذوفةٍ تقديره: " فَرَضْتُم أو لم تَفْرِضُوا " فيكونُ هذا من بابِ حذفِ الجزمِ وإبقاءِ عمله، وهو ضعيفٌ جداً، وكأنَّ الذي حَسَّنَ هذا كونُ لفظِ " لم " موجوداً قبل ذلك. والرابع: أن تكونَ " أو " بمعنى الواو، و " تَفْرِضُوا " عطفاً على " تَمَسُّوهُنَّ " فهو مجزومٌ أيضاً.

قوله: { فَرِيضَةً } فيها وجهان، أظهرُهما: أنها مفعولٌ به وهي بمعنى مفعولة، أي: إلاَّ أَنْ تَفْرِضُوا لهنَّ شيئاً مفروضاً. والثاني: أن تكونَ منصوبةً على المصدرِ بمعنى فَرْضاً. واستجود أبو البقاء الوجهَ الأولَ، قال: " وأَنْ يكونَ مفعولاً به وهو الجيدُ " والموصوفُ محذوفٌ تقديرُهُ: متعةً مفروضةً.

قوله: { وَمَتِّعُوهُنَّ } قال أبو البقاء: " وَمَتِّعُوهُنَّ معطوفٌ على فعلٍ محذوف تقديرُهُ: فَطَلِّقُوهُنَّ ومَتِّعُوهُنَّ ". وهذا لا حاجَةَ إليه، فإنَّ الضميرَ المنصوبَ في " مَتِّعوهن " عائدٌ على المطلقاتِ قبل المسيسِ وقبلَ الفَرْضِ، المذكورَيْن في قولِه: { إِن طَلَّقْتُمُ ٱلنِّسَآءَ } إلى آخرها.

السابقالتالي
2 3