الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ ٱلنِّسَآءِ أَوْ أَكْنَنتُمْ فِيۤ أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ ٱللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَـٰكِن لاَّ تُوَاعِدُوهُنَّ سِرّاً إِلاَّ أَن تَقُولُواْ قَوْلاً مَّعْرُوفاً وَلاَ تَعْزِمُوۤاْ عُقْدَةَ ٱلنِّكَاحِ حَتَّىٰ يَبْلُغَ ٱلْكِتَابُ أَجَلَهُ وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِيۤ أَنْفُسِكُمْ فَٱحْذَرُوهُ وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ }

قوله تعالى: { مِنْ خِطْبَةِ ٱلنِّسَآءِ }: في محل نصبٍ على الحالِ وفي صاحبها وجهان، أحدُهما: الهاءُ المجرورةُ في " به " ، والثاني: " ما " المجرورُة بـ " في " ، والعاملُ على كِلا التقديرين محذوفٌ، وقال أبو البقاء: " حالٌ من الهاءِ المجرورةِ، فيكونُ العاملُ فيه " عَرَّضْتم ". ويجوزُ أن يكونَ حالاً من " ما " فيكونُ العاملُ فيه الاستقرارَ ". وهذا على ظاهره ليس بجيد، لأنَّ العاملَ فيه محذوفٌ على ما تقرَّر، إلا أَنْ تريدَ من حيث المعنى لا الصناعةُ فقد يجوزُ له ذلك.

والخِطْبَةُ مصدرٌ مضافٍ للمفعول أي: من خِطْبَتِكم النساء، فَحُذِفَ الفاعلُ للعلم به. والخِطْبَةُ مصدرٌ في الأصل بمعنى الخَطْب، والخَطْب: الحاجة، ثم خُصَّت بالتماس النكاح لأنه بعضُ الحاجات، يقال: ما خطبُكَ؟ أي: ما حاجتُك. وقال الفراء: " الخِطْبَةُ مصدرٌ بمعنى الخَطْب وهي من قولك: إنه لَحَسَنُ الجِلْسَةِ والقِعْدَةِ أي: الجلوس والقعود، والخُطْبَةُ - بالضم - الكلامُ المشتملُ على الوعظِ والزجرِ، وكلاهما من الخَطْب الذي هو الكلام، وكانت سَجاحُ يُقال لها خِطْبٌ فتقول: نِكْحٌ.

قوله: { أَوْ أَكْنَنتُمْ } " أو " هنا للإِباحةِ أو التخيير أو التفصيلِ أو الإِبهامِ على المخاطب، وأَكَنَّ في نفسِهِ شيئاً أي: أَخْفاه، وَكَنَّ الشيء بثوبٍ ونحوهِ: أي سَتَرَهُ به، فالهمزةُ في " أكنَّ " للتفرقة بين الاستعمالَيْنِ كأشرَقَتْ وشَرَقَتْ. ومفعول " أكنَّ " محذوفٌ يعودُ على " ما " الموصولةِ في قوله: " فيما عَرَّضْتم " أي: أو أكننتموه. فـ " في أنفسكم " متعلِّقٌ بـ " أَكْنَنتم " ، ويَضْعُفُ جَعْلُهُ حالاً من المفعولِ المقدَّرِ.

قوله: { وَلَـٰكِن } هذا الاستدراكُ فيه ثلاثةُ أوجهٍ، أحدُها: أنه استدراكٌ من الجملةِ قبلَه، وهي قولُهُ: " ستذكرونَهُنَّ " ، فإنَّ الذِّكْرَ يقع على أنحاءٍ كثيرةٍ ووجوهٍ متعددةٍ، فاسْتُدْرِكَ منه وجهٌ نُهِيَ فيه عن ذِكْرٍ مخصوص، ولو لم يُسْتَدْرَك لكانَ من الجائز، لاندراجِهِ تحت مطلقِ الذِّكْرِ. وهو نظيرُ: " زيدٌ سيلقى خالداً ولكنْ لا يواجهُهُ بِشَرٍّ ". لمَّا كانت أَحوالُ اللقاءِ كثيرةً، من جملتها مواجهتُه بالشرِّ، استُدْرِكَت هذه الحالةُ من بينِها. والثاني - قاله أبو البقاء - قاله الزمخشري - أنَّ المُسْتَدْرَكَ منه جملةٌ محذوفةٌ قبل " لكنْ " تقديرُهُ: " فاذكروهُنَّ، ولكن لا تواعِدُوهُنَّ سراً " وقد تقدَّم أنَّ المعنى على الاستدراكِ من الجملةِ قبلَه فلا حاجَةَ إلى حذفِ... ، وإنما الذي يَحْتاجه ما بعدَ " لكن " وقوعُ ما قبلَها من حيثُ المعنى لا من حيثُ اللفظُ، لأنَّ نَفْيَ المواجهةِ بالشرِّ يستدعي وقوعَ اللقاءِ.

قوله: { سِرّاً } فيه خمسةُ أوجهٍ، أحدُها: أن يكونَ مفعولاً ثانياً لتواعِدُوهُنَّ.

السابقالتالي
2 3