الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلاَ تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتَّىٰ تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ فَإِن طَلَّقَهَا فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَآ أَن يَتَرَاجَعَآ إِن ظَنَّآ أَن يُقِيمَا حُدُودَ ٱللَّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ ٱللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ }

قولُه تعالى: { فَإِنْ طَلَّقَهَا }: أي: مِنْ بعدِ الطلاقِ الثالثِ، فلمَّا قُطِعَتْ " بعدُ " عن الإِضافةِ بُنِيَتْ على الضَّمِّ لِما تَقَدَّم تقريُرُه. و " له " و " مِنْ بعد " و " حتى " ثلاثتُها متعلقةٌ بـ " يَحِلُّ ". ومعنى " مِنْ " ابتداءُ الغايةِ واللامُ للتبليغِ، وحتى للتعليل، كذا قال الشيخ، والظاهرُ أنها للغايةِ، لأنَّ المعنى على ذلك، أي: يمتدُّ عدمُ التحليلِ له إلى أَنْ تنكَحَ زوجاً غيرَه، فإذا طَلَّقها وانقَضَتْ عِدَّتُها منه حَلَّت للأولِ المُطَلِّقِ ثلاثاً، ويَدُلُّ على هذا الحذفِ فحوى الكلامِ.

و " غيرَه " صفةٌ لـ " زوجاً " ، وإن كان نكرةً، لأنَّ " غير " وأخواتِها لا تتعرَّفُ بالإِضافة لكونِها في قوةِ اسمِ الفاعلِ العاملِ. و " زوجاً " هل هو للتقييد أو للتوطِئَةِ؟ وينبني على ذلكَ فائدةٌ، وهي أنه إنْ كان للتقييدِ: فلو كانت المرأةُ أَمَةً وطَلَّقها زوجُها ثلاثاً ووطئِها سَيِّدُها لم تَحِلُّ للأولِ لأنه ليس بزوجٍ، وإن كانت للتوطئةِ حَلَّتْ، لأنَّ ذِكْرَ الزوج كالمُلْغَى، كأنه قيل: حتى تنكِحَ غيره، وإنما أتى بلفظ " زَوْج " لأنه الغالبُ.

قوله: { فَإِنْ طَلَّقَهَا } الضميرُ المرفوعُ عائدٌ على " زوجاً " النكرةِ، أي: فإنْ طَلَّقها ذلك الزوجُ الثاني، وأتى بلفظِ " إنْ " الشرطية دونَ " إذا " تنبيهاً أنَّ طلاقَه يجبُ أن يكونَ باختياره من غيرِ أَنْ يُشترط عليه ذلك، لأنَّ " إذا " للمحققِ وقوعُه و " إنْ للمبهم وقوعُه أو المتحقَّقِ وقوعُه، المبهمِ زمانُ وقوعِه، نحو قولِهِ تعالى:أَفَإِنْ مِّتَّ فَهُمُ ٱلْخَالِدُونَ } [الأنبياء: 34] قوله: { عَلَيْهِمَآ } الضميرُ في " عليهما " يجوزُ أن يعودَ على المرأةِ والزوجِ الأولِ المُطَلِّقِ ثلاثاً، أي: فإنْ طَلَّقَها الثاني وانقَضَتْ عِدَّتُها منه فلا جُنَاحَ على الزوجِ المُطَلِّقِ ثلاثاً ولا عليها أن يتراجَعَا. ويجوزُ أن يعودَ عليها وعلى الزوجِ الثاني، أي: فلا جُنَاحَ على المرأةِ ولا على الزوجِ الثاني أَنْ يتراجَعَا ما دامَتْ عِدَّتُها باقيةً، وعلى هذا فلا يُحْتَاجُ إلى حَذْفِ تلك الجملةِ المقدَّرَةِ وهي " وانقَضَتْ عِدَّتُها " وتكون الآيةُ قد أفادَتْ حكمينِ، أحدُهما: أَنها لا تَحِلُّ للأول إلاَّ بعدَ أن تتزوجَ بغيرِهِ، والثاني: أنه يجوزُ أَنْ يراجِعَها الثاني ما دامَتْ عِدَّتُها منه باقيةً، ويكونُ ذلك دفعاً لوَهْمِ مَنْ يَتَوَهَّمُ أنها إذا نَكَحَتْ غيرَ الأولِ حَلَّت للأولِ فقط ولم يكُنْ للثاني عليها رَجْعَةٌ.

قوله: { أَن يَتَرَاجَعَآ } أي: في أَنْ، ففي محلِّها القولانِ المشهوران، و " عليهما " خبرُ " لا " ، و " في أن " متعلِّقٌ بالاستقرارِ، وقد تقدَّم أنه لا يجوزُ أن يكونَ " عليهما " متعلقاً " بـ " جُنَاح، والجارُّ الخبرُ، لما يَلْزَمُ من تنوينِ اسمِ " لا " ، لأنه حينئذٍ يكونُ مُطَوَّلاً.

السابقالتالي
2