الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِنْ عَزَمُواْ ٱلطَّلاَقَ فَإِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ }

قوله تعالى: { عَزَمُواْ ٱلطَّلاَقَ }: في نصبِ " الطلاق " وجهان، أحدُهما: أنه على إسقاطِ الخافضِ، لأنَّ " عزم " يتعدَّى بـ " على " ، قال:
969 ـ عَزَمْتُ على إقامةِ ذي صباحٍ   لأمرٍ ما يُسَوَّدُ مَنْ يسَودُ
والثاني: أن تَضَمِّن " عزم " معنى نَوَى، فينتصبَ مفعولاً به.

والعَزْم: عَقْدُ القلبِ وتصميمُه: عَزَمَ يَعْزِم عَزْماً وعُزْماً بالفتحة والضمة، وعَزِيمة وعِزاماً بالكسر. ويستعمل بمعنى القَسَمِ: عَزَمْتُ عليكَ لتَفعلَّنَّ.

والطلاقُ: إحلالُ العَقْدِ، يقال: طَلَقَتْ بفتح اللام - تَطْلُقُ فهي طالِقٌ وطالقَةٌ، قال الأعشى:
970 ـ أيا جارتا بيني فإنَّكِ طالِقَهْ   ...........................
وحكى ثعلب: " طَلُقت " بالضم، وأنكره الأخفش، والطلاقُ يجوز أَنْ يكون مصدراً أو اسمَ مصدرٍ وهو التطليقُ.

قوله: { فَإِنَّ ٱللَّهَ } ظاهرُه أنَّه جوابُ الشرطِ، وقال الشيخ: " ويَظْهَرُ أنَّه محذوفٌ، أي: فَلْيُوقِعوه. وقرأ عبد الله: " فإن فاؤوا فيهنَّ " وقرأ أبَيّ " فيها " ، والضميرُ للأَشْهُرِ.

وقراءةُ الجمهورِ ظاهرُها أنَّ الفَيْئَة والطلاقَ إنما تكونُ بعد مضيِّ أربعة الأشهر، إلاَّ أنَّ الزمخشريَّ لمَّا كان يَرى بمذهبِ أبي حنيفة: وهو أنَّ الفَيْئَة في مدة أربعةِ الأشهرِ، ويؤيِّدُه القراءةُ المقتدِّمَةُ احتاج إلى تأويلِ الآيةِ بما نصُّه. " فإنْ قلت: كيف موقعُ الفاءِ إذا كانت الفيئةُ قبل انتهاءِ مدةِ التربُّص؟ قلت: موقعٌ صحيحٌ، لأنَّ قولَه: " فإنْ فاؤوا، وإنْ عَزَموا " تفصيلٌ لقولِه: " للذين يُؤْلُون مِنْ نسائِهِم، والتفصيلُ يَعْقُب المُفَصَّل، كما تقول: " أنَا نزيلُكم هذا الشهرَ فإنْ أَحْمَدْتُكم أقمتُ عندَكم إلى آخرِه، وإلاَّ لم أقُمْ إلاَّ ريثما أتحولُ ". قال الشيخ: " وليس بصحيحٍ، لأنَّ ما مثَّله ليس بنظيرِ الآيةِ، ألا ترى أنَّ المثالَ فيه إخبارٌ عن المُفَصَّل حالُه، وهو قولُه: " أنا نزيلُكم هذا الشهر " ، وما بعد الشرطينِ مُصَرَّحٌ فيه بالجوابِ الدالِّ على اختلافِ متعلَّقِ/ فعلِ الجزاء، والآيةُ ليسَتْ كذلك، لأنَّ الذين يُؤْلُون ليس مُخْبَراً عنهم ولا مُسْنَداً إليهم حكمٌ، وإنما المحكومُ عليه تربُّصُهم، والمعنى: تربُّص المُؤْلِين أربعةُ أشهر مشروعٌ لهم بعد إيلائِهم، ثم قال: فإنْ فاؤوا وإنْ عَزَموا " فالظاهرُ أنَّهُ يَعْقُبُ تربُّصَ المدةِ المشروعةِ بأسْرِها، لأنَّ الفيئةَ تكونُ فيها، والعَزْمَ على الطلاقِ بعدَها، لأنهَّ التقييدَ المغايرَ لا يَدُلُّ عليه اللفظُ، وإنما يُطابقُ الآيةَ أَنْ تقولَ: " للضيفِ إكرامُ ثلاثةِ أيامٍ، فإنْ أقامَ فنحن كرماءُ مُؤْثِرُون وإنْ عَزَم على الرحيلِ فله أنْ يَرْحَلَ " فالمتبادَرُ إلى الذِّهْنِ أنَّ الشرطينُ مُقَدَّران بعدَ إكرامِه ".