الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ لِّلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِن نِّسَآئِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَآءُو فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }

قوله تعالى: { لِّلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِن نِّسَآئِهِمْ تَرَبُّصُ }: هذه جملةٌ من مبتدأ وخبرٍ، وعلى رأي الأخفش من بابِ الفعلِ والفاعلِ لأنه لا يَشْتَرِط الاعتماد. و " من نسائهم " في هذا الجارِّ ثمانيةُ أوجهٍ، أحدُها: أنْ يتعَلَّقَ بيُؤْلُون، قال الزمخشري: " فإنْ قلت: كيف عُدِّي بمِنْ وهو مُعَدَّى بـ " على "؟ قلت: قد ضُمِّنَ في القَسَم المخصوص معنى البُعْد، فكأنه قيل: يَبْعُدُون من نسائِهم مُؤْلين أو مُقْسِمينَ ". الثاني: أنَّ " آلى " يتَعَدَّى بعلى وبمن، قاله أبو البقاء نقلاً عن غيرِه أنهُ يقال: آلى من امرأتِهِ وعلى امرأتِه. والثالث: أنَّ " مِنْ " قائمةٌ مقامَ " على " ، وهذا رأيٌ الكوفيين. والرابع: أنها قائمةٌ مقامَ " في " ، ويكونُ ثَمَّ مضافٌ محذوفٌ أي: على تَرْكِ وَطْءِ نسائِهم أو في تركِ وطءِ نسائِهم. والخامس: أنَّ " مِنْ " زائدةٌ والتقديرَ: يُؤْلُون أَنْ يَعْتَزِلوا نساءَهم. والسادسُ: أَنْ تتعلَّقَ بمحذوفِ، والتقديرُ: والذين يُؤْلُون لهم من نسائِهم تربُّص أربعةِ، فتتعلَّقَ بما يتعلق به " لهم " المحذوفُ، هكذا قَدَّره الشيخ وعَزاه للزمخشري، وفيه نظرٌ، فإنَّ الزمخشري قال: " ويجوزُ أن يُراد: لهم من نسائهم تربُّصُ، كقولك: " لي منك كذا " فقوله " لهم " لم يُرد به أن ثَمَّ شيئاً محذوفاً وهو لفظُ " لهم " إنما أرادَ أَنْ يعلِّق " مِنْ " بالاستقرار الذي تعلَّقَ به " للذين " غايةُ ما فيه أنه أتى بضمير " الذين " تبييناً للمعنى. وإلى هذا المنحى نحا أبو البقاء فإنه قال: " وقيل: الأصلُ " على " ولا يَجُوزُ أن تقومَ " مِنْ " مقامَ " على " ، فعندَ ذلك تتعلَّقُ " مِنْ " بمعنى الاستقرار، يريدُ الاستقرارَ الذي تعلَّقَ به قولُه " للذين " ، وعلى تقدير تسليمِ أنَّ لَفظةَ " لهم " مقدرةٌ وهي مُرادةٌ فحينئذٍ إنما تكونُ بدلاً من " للذين " بإعادةِ العاملِ، وإلاَّ يبقَ قولُه " للذين يُؤْلُون " مُفْلَتاً. وبالجملةِ فتعلُّقه بالاستقرار غيرُ ظاهرٍ. وأمَّا تقديرُ الشيخِ: " والذين يُؤْلون لهم من نسائهم تربُّصُ " فليس كذلك، لأنَّ " الذين لو جاء كذلك غيرَ مجرورِ باللام سَهُل الأمرُ الذي ادَّعاه، ولكن إنما جاءَ كما تراه مجروراً باللام. ثم قال الشيخ: " وهذا كلَّه ضعيفٌ يُنَزَّه القرآنُ عنه، وإنما يتعلَّق بيُؤْلُون علَى أحدِ وجهين: إمَّا أنْ تكونَ " مِنْ " للسبب، أي يَحْلِفون بسببِ نسائِهم، وإمَّا أَنْ يُضَمَّنَ معنى الامتناع، فيتعدَّى بـ " مِنْ " ، فكأنه قيل: للذين يمتنعون من نسائِهم بالإِيلاءِ، فهذان وَجْهان مع الستة المتقدمة، فتكونُ ثمانيةً، وإن اعتَبَرْتَ مطلقَ التضمينِ فتجيءُ سبعةً.

السابقالتالي
2