الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ لاَّ يُؤَاخِذُكُمُ ٱللَّهُ بِٱلَّلغْوِ فِيۤ أَيْمَانِكُمْ وَلَـٰكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَٱللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ }

قوله تعالى: { بِٱلَّلغْوِ }: متعلَّقٌ بـ " يُؤاخِذُكم ". والباءُ معناها السببيةُ كقولِه تعالى:فَكُلاًّ أَخَذْنَا بِذَنبِهِ } [العنكبوت: 40]،وَلَوْ يُؤَاخِذُ ٱللَّهُ ٱلنَّاسَ بِظُلْمِهِمْ } [النحل: 61].

واللَّغْوُ: مصدرُ لَغا يَلْغو، يقال: لَغا يلغو لَغْواً، مثل غَزا يغزوا غزواً ولَغِي يَلْغَى لَغَىً مثل لَقِيَ يَلْقَى لَقَىً، ومن الثاني قولُه تعالى:وَٱلْغَوْاْ فِيهِ } واختُلِفَ في اللغُو: فقيل: ما سَبَقَ به اللسانُ مِنْ غيرِ قصدٍ، قاله الفراء، ومنه قول الفرزدق:
960 ـ ولَسْتَ بمأخوذٍ بلَغْوٍ تَقُوله   إذا لم تُعَمِّدْ عاقِدَاتِ العَزائِمِ
ويُحْكى أن الحسنُ سُئل عن اللغو وعن المَسْبِيَّة ذاتِ زَوْج، فنهض الفرزدق وقال: " ألم تَسْمَع مَا قُلْتُ، وأنشد: ولستَ بمأخوذ، وقوله:
961 ـ وذاتِ حليلٍ أَنْكَحَتْها رِماحُنا   حلالٌ لِمَنْ يَبْني بها لم تُطَلَّقِ
فقال الحسنُ: ما أذكاك لولا حِنْثُك ". وقد يُطْلَقُ على كل كلامٍ قبيح " لَغْو ".

قال تعالى:وَإِذَا مَرُّواْ بِاللَّغْوِ } [الفرقان: 72]لاَّ يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً } [مريم: 62] وقال:
962 - ورَبِّ أسرابِ حجيجٍ كُظَّمِ   عن اللَّغَا ورفَثِ التكلُّمِ
وقيل: ما يُطْرَحُ من الكلامِ استغناءً عنه، مأخوذٌ من قولِهِم لِما لا يُعْتَدُّ به من أولادِ الإِبلِ في الدِيَةَ " لَغْوُ " ومنه:
963 ـ.....................   كما أَلْغَيْتَ في الدِّيَة الحُوارا
وقيل: هو ما لا يُفْهَمُ، من قولِهم: " لغا الطائرُ " صَوَّت: واللغوُ: ما لَهِجَ به الإِنسانُ، واللغةُ مأخوذةٌ من هذا. قال الراغب: " ولَغِي بكذا: أي لَهج به لَهَج العُصفور بِلَغاه، ومنه قيل للكلام الذي تَلْهَجُ به فَرقةٌ لغة، لجعلها مشتقةً من لَغِي بكذا أي أولعَ به. وقال ابن عيسى: - وقد ذكر أن اللغةَ ما لا يفيدُ -: " ومنه اللغةُ لأنَّها عند غيرِ أهلِها لَغْوٌ " وقد غَلَّطوه في ذلك.

قوله: { فِيۤ أَيْمَانِكُمْ } فيه ثلاثةُ أوجهٍ، أحدُها: أن يتعلَّقَ بالفعلِ قبلَه. الثاني: أَنْ يتعلَّقَ بنفسِ المصدرِ قبلَه كقولك: " لغا في يمينِه ". الثالث: أن يتعلق بمحذوف على أنه حال من اللغو، وتعرفه من حيث المعنى أنك لو جعلتَه صلةً لموصولٍ، ووصفْتَ به اللغوَ لصَحَّ المعنى، أي: اللغوُ الذي في أَيْمانِكم.

قوله: { وَلَـٰكِن يُؤَاخِذُكُم } وَقَعْت هنا " لكن " بين نقيضَيْنِ باعتبار وجودِ اليمينِ، لأنها لا تَخْلُوا: إمَّا أَنْ لا يقصِدَها القلبُ بل جَرَتْ على اللسانِ وهي اللغُو، وإمَّا أن يقصِدَها وهي المنعقدةُ.

قوله { بِمَا كَسَبَتْ } متعلِّقٌ بالفعلِ قبلَه، والباءُ للسببيةِ كما تقدَّم. و " ما " يجوزُ فيها ثلاثةُ أوجهٍ، أظهرُها: أنها مصدريةٌ لتقابِلَ المصدرَ وهو اللغوُ، أي: لا يؤاخِذُكم باللغوِ ولكنْ بالكَسْبِ. والثاني. أنها بمعنى الذي.

ولا بُدَّ من عائدٍ محذوفٍ أي: كَسَبَته، ويرجِّحُ هذا أنها بمعنى الذي أكثرُ منها مصدريةً. والثالثُ: أن تكونَ نكرةً موصوفةً والعائدُ/ أيضاً محذوفٌ وهو ضعيفٌ، وفي هذا الكلام حَذْفٌ تقديرُه: ولكنْ يُؤاخِذُكم في أَيْمانكم بما كَسَبَتْ قلوبُكم، فحَذَفَ لدلالةِ ما قبلَه عليه.

السابقالتالي
2