الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلْيَتَامَىٰ قُلْ إِصْلاَحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ ٱلْمُفْسِدَ مِنَ ٱلْمُصْلِحِ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لأَعْنَتَكُمْ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }

قوله تعالى: { فِي ٱلدُّنْيَا }: فيه خمسةُ أوجهٍ، أظهرُها: أن يتعلَّقَ بيتفكرون على معنى يتفكرون في أمرهما، فيأخذونَ ما هو الأصلحُ، ويُؤْثِرُون ما هو أبقى نفعاً. والثاني: أن يتعلَّقَ بـ " يبيِّن " ويُرْوَى معناه عن الحسن، وحينئذٍ يُحْتَمَلُ أن يُقَدَّر مضافٍ، أي: في أمرِ الدنيا والآخرة، ويُحْتَمل ألاَّ يقدَّرَ، لأنَّ بيانَ الآيات وهي العلاماتُ يظهرُ فيها. وجعل بعضُهم قولَ الحسن من التقديم والتأخير، ثم قال: " ولا حاجة لذلك، لحَمْلِ الكلام على ظاهره، يعني مِنْ تعلق في الدنيا بـ " تتفكرون ". وهذا ليس من التقديم والتأخير في شيء، لأنَّ جملةَ الترجِّي جاريةٌ مَجْرى العلةِ فهي متعلقةٌ بالفعل معنى، وتقديمُ أحدِ المعمولاتِ على الآخرِ لا يقال فيه تقديمٌ وتأخيرٌ، ويُحْتَمل أن تكونَ اعتراضيةً فلا تقديمَ ولا تأخيرَ.

والثالث: ان تتعلَّق بنفسِ " الآيات " لِما فيها من معنى الفعل وهو ظاهرُ قول مكي فيما فهمه عنه ابنُ عطية. قال مكي: " معنى الآيةِ أنه يبيِّن للمؤمنين آياتٍ في الدنيا والآخرةِ يَدُلُّ عليها وعلى منزِلَتِها لعلهم يتفكرون في تلك الآيات " قال ابن عطية: " فقولُه: " في الدنيا " يتعلَّقُ على هذا التأويلِ بالآيات " وما قاله عنه ليس بظاهرٍ، لأنَّ شرحَهُ الآيةُ لا يقتضي تَعَلُّقَ الجار بالآيات. ثم إن عنى ابنُ عطية بالتعلُّق التعلُّق/ الاصطلاحي، فقال الشيخ: " فهو فاسدٌ، لأنَّ " الآيات " لا تعملُ شيئاً البتة، ولا يتعلَّقُ بها ظرفٌ ولا مجرورٌ " وهذا من الشيخ فيه نظرٌ، فإن الظروفَ تتعلَّقُ بروائح الأفعال، ولا شك أن معنى الآياتِ العلاماتُ الظاهرةُ فيتعلَّق بها الظرفُ على هذا. وإن عنى التعلقَ المعنويَّ وهو كونُ الجارِّ من تمام معنى " الآيات " فذلك لا يكون إلا إذا جَعَلْنا الجارَّ حالاً من " الآيات " ولذلك قَدَّرَها مكي نكرةً فقال: " يبيِّن لهم آياتٍ في الدنيا " لِيُعْلِمَ أنها واقعةً موقعَ الصفةِ لآيات، ولا فرقَ في المعنى بين الصفةِ والحالِ فيما نحن بصدده، فعلى هذا تتعلق بمحذوفٍ لوقوعِها صفةً.

الرابع: أن تكونَ حالاً من " الآيات " كما تقدَّم تقريرُه الآن. الخامسُ: أن تكون صلةً للآيات فتتعلَّق بمحذوفٍ أيضاً، وذلك مذهبُ الكوفيين فإنهم يَجْعَلُون من الموصولات الاسمَ المعرَّفَ بأَل وأنشدوا:
946 ـ لَعَمْرِي لأنت البيتُ أُكْرِمُ أَهْلَهُ   وَأَقْعُدُ في أَفْيَائِهِ بالأصائِلِ
فـ " البيت " عندهم موصول، ولتقرير مذهبِهم والردِّ عليه موضعٌ هو أليقُ به.

والتَّفكُّر: تَفَعُّل من الفِكْر، والفِكْر: الذهنُ، فمعنى تفكَّر في كذا: أجال ذهنَه فيه وردَّده.

قوله: { إِصْلاَحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ } " إصلاحٌ " مبتدأ، وسَوَّغَ الابتداءَ به أحدُ شيئين: إمَّا وصفُه بقوله " لهم " ، وإمَّا تخصيصُه بعملِه فيه، و " خيرٌ " خبرُه.

السابقالتالي
2