الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ ٱللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِّنَ ٱلْغَمَامِ وَٱلْمَلاۤئِكَةُ وَقُضِيَ ٱلأَمْرُ وَإِلَى ٱللَّهِ تُرْجَعُ ٱلأُمُورُ }

قولُه تعالى: { هَلْ يَنظُرُونَ }: " هل " لفظُهُ استفهامٌ والمرادُ به النفيُ كقوله:
911 ـ وهلْ أنا إلا مِنْ غُزَيَّةَ إنْ غَوَتْ   غَوَيْتُ وإنْ تَرْشُدْ غُزَيَّةُ أَرْشُدِ
أي: ما ينظُرون، وما أنا، ولذلك وقَعَ بعدها " إلاَّ " كما تَقَعُ بعد " ما ".

و " يَنْظُرون " هنا بمعنى يَنْتَظِرُون، وهو مُعَدَّىً بنفسِه، قال امرؤ القيس:
912 ـ فإنَّكما إنْ تَنْظُراني ساعةً   من الدَّهْرَ يَنْفَعْني لدى أُمِّ جُنْدَبِ
وليس المرادُ هنا بالنظرِ تَرَدُّدَ العينِ، لأنَّ المعنى ليس عليه. واستدّلَّ بعضُهم على ذلك بأن النظر بمعنى البصر يتعدَّى بإلى، ويُضافُ إلى الوجه، وفي الآية الكريمة متعدٍّ بنفسِه، وليسَ مضافاً إلى الوجه، ويعني بإضافته إلى الوجهِ قوله تعالى:وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ إِلَىٰ رَبِّهَا نَاظِرَةٌ } [القيامة: 23] فيكونُ بمعنى الانتظار. وهذا ليس بشيءٍ. أمَّا قولُه: " إنَّ الذي بمعنى البصر يتعدَّى بإلى فمُسَلَّم، قوله: " وهو هنا متعدٍّ بنفسه " ممنوعٌ، إذ يُحتمل أن يكونَ حرفُ الجر وهو " إلى " محذوفاً، لأنه يَطَّرِدُ حَذْفُه مع " أَنْ " ، إذا لم يكن لَبْسٌ، وأمَّا قولُه: " يُضافُ إلى الوجهِ " فممنوعٌ أيضاً، إذ قد جاء مضافاً للذاتِ. قال تعالى:أَرِنِيۤ أَنظُرْ إِلَيْكَ } [الأعراف: 143]أَفَلاَ يَنظُرُونَ إِلَى ٱلإِبْلِ } [الغاشية: 17]. والضميرُ في " ينظرون " عائدٌ على المخاطبين بقولِه: " زَلَلْتُم " فهو التفاتٌ.

قولُه: { إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ } هذا مفعولُ " ينظرون " وهو استثناءٌ مفرَّغٌ أي: ما ينظرون إلا إتيان الله.

قوله: { فِي ظُلَلٍ } فيه أربعةُ أوجهٍ، أحدُها: أن يتعلَّق بيأتِيَهم، والمعنى: يأتيهم أمرُه أو قُدْرَتُه أو عقابُه أو نحوُ ذلك، أو يكونُ كنايةً عن الانتقام؛ إذ الإتيان يمتنعُ إسنادُه إلى الله تعالى حقيقةً. والثاني: أَنْ يتعلَّقَ بمحذوفٍ على أنه حالٌ، وفي صاحبها وجهان، أحدُهما: هو مفعولُ يأتيهم، أي: في حالِ كونِهم مستقرين في ظُلَل وهذا حقيقةٌ. والثاني: أنه الله تعالى بالمجاز المتقدَّم، أي: أمرُ الله في حال كونه مستقراً في ظُلَل. الثالث: أن تكونَ " في " بمعنى الباء، وهو متعلقٌ بالإِتيانِ، أي: إلاَّ أَنْ يأتيهم بظُلَل. ومِنْ مجيءِ " في " بمعنى الباءِ قوله:
913 ـ.................   خَبيرون في طَعْنِ الكُلى والأباهِرِ
لأنَّ " خبيرين " إنَّما يتعدَّى بالباءِ كقوله:
914 ـ................   خبيرٌ بأَدْواءِ النِّساء طَبيبُ
الرابع: أن يكونَ حالاً من " الملائكة " مقدَّماً عليها، والأصل: إلاَّ أَنْ يأتيَهم اللهُ والملائكةُ في ظُلَلٍ، ويؤيَّد هذا قراءة عبد الله إياه كذلك، وبهذا أيضاً يَقِلُّ المجازُ، فإنَّه والحالةُ هذه لم يُسْنَدْ إلى اللهِ تعالى إلا الإِتيانُ فقط بالمجازِ المتقدِّم.

وقرأ أُبَيّ وقتادةُ والضحاكُ: في ظلالٍ، وفيها وجهان، أَحدُهما: أَنَّها جمع ظِلّ نحو: صِلّ وصِلال.

السابقالتالي
2