الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ٱبْتِغَآءَ مَرْضَاتِ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ رَؤُوفٌ بِٱلْعِبَادِ }

قوله تعالى: { مَن يَشْرِي }: في " مَنْ " الوجهانِ المتقدِّمان في " مَنْ " الأولى، ومعنى يَشْري: يَبيع، قال تعالى:وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ } [يوسف: 20]، إن أَعَدْنَا الضميرَ المرفوعَ على الآخرة، وقال:
904 ـ وَشَرَيْتُ بُرْداً ليتني   من بعدِ بُرْدٍ كنتُ هامَهْ
فالمعنى: يَبْذُل نفسَه في اللَّهِ، وقيل: بل هو على أصلِهِ من الشِّراء وذلك أَنَّ صُهَيْباً اشترى نفسَه من قريشٍ لمَّا هاجَرَ، والآيةُ نَزَلَتْ فيه.

قوله: { ٱبْتِغَآءَ } منصوبٌ على أنه مفعولٌ من أجله. والشروطُ المقتضيةُ للنصبِ موجودةٌ. والصحيحُ أنَّ إضافةَ المفعولِ له مَحْضَةٌ، خلافاً للجرمي والمبرد والرياشي وجماعةٍ من المتأخَّرين. و " مرضاة " مصدرٌ مبنيٌّ على تاء التأنيث كَمَدْعَاة، والقياسُ تجريدُهُ عنها نحو: مَغْزَى ومَرْمَى

ووقَفَ حمزة عليها بالتاء، وذلك لوجهين: أحدهما أَنَّ بعضَ العربِ يقِفُ على تاء التأنيثِ بالتاءِ كما هي: وأنشدوا:
905 ـ دارٌ لسَلْمَى بعد حولٍ قد عَفَتْ   بل جَوْزِ تيهاءَ كظهْرِ الجَحَفَتْ
وقد حكى هذه اللغةَ سيبويه. والثاني: أن يكونَ وقف على نيةِ الإِضافة، كأنه نَوَى لفظَ المضافِ إليه لشدةِ اتِّصال المتضايفَيْنِ فأَقَرَّ التاءَ على حالِها مَنْبَهَةً على ذلك، وهذا كما أَشَمُّوا الحرفَ المضمومَ ليُعْلِمُوا أنَّ الضَّمَّة كالمنطوق بها. وقد أمالَ الكسائي وورش " مَرْضات ".

وفي قولِهِ: { بِٱلْعِبَادِ } خروجٌ من ضميرِ الغَيْبَةِ إلى الاسمِ الظاهِرِ، إذ كان الأصلُ " رؤوف به " أو " بهم " ، وفائدةُ هذا الخروجِ أنَّ لفظَ " العباد " يُؤْذِنُ بالتشريفِ، أو لأنَّ فاصلةٌ فاخْتِير لذلك.