الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ ٱلدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ }

قوله تعالى: { وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ }: في " أُجيب " وجهانِ أحدُهما: أنها جملةٌ في محلِّ رفع صفةً لـ " قَرِيبٌ " والثاني أنها خبرٌ ثانٍ لإِنِّي، لأنَّ " قريب " خبرٌ أولُ.

ولا بُدَّ من إضمارِ قولٍ بعدَ فاء الجزاء تقديرُه: فَقُلْ لهم إني قَرِيبٌ، وإنما احتُجْنا إلى هذا التقديرِ لأنَّ المترتِّب على الشرط الإِخبارُ بالقُرْبِ. وجاء قولُه " أجيب " مراعاةً للضميرِ السابقِ على الخبرِ، ولم يُراعَ الخبرُ فيقالُ: " يُجيبُ " بالغَيْبَة مراعاةً لقولِه: " قريبٌ " لأنَّ الأَشهَر من طريقتي العرب هو الأولُ، كقوله تعالى:بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ } [النمل: 55] وفي أخرىبَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ } [النمل: 47]، وقولِ الشاعر:
853 ـ وإنَّا لَقَوْمٌ ما نرى القَتْلَ سُبَّةً   إذا ما رَأَتْهُ عامِرٌ وسَلُولُ
/ ولو راعى الخبر لقال: " مَا يَرَوْنَ القَتْلَ ".

وفي قوله: { عَنِّي } و " إنِّي " التفاتٌ من غَيْبَة إلى تَكَلُّمٍ، لأنَّ قبلَه، " ولتُكَّبِّروا الله " والاسمُ الظاهرُ في ذلك كالضميرِ الغائبِ. والكافُ في " سألَكَ " للنبي صلى الله عليه وسلم وإنْ لم يَجْرِ لَه ذكْرٌُ، إلاَّ أنَّ قولَه: { أُنْزِلَ فِيهِ ٱلْقُرْآنُ } يَدُلُّ عليه، لأنَّ تقديره: " أُنْزِلَ فيه القرآنُ على الرسول صلى الله عليه وسلم ". وفي قوله: " فإني قريب " مجازٌ عن سرعةِ إجابته لدعوةِ داعيه، وإلاَّ فهو متعالٍ عن القُرْبِ الحس لتعاليه عن المكان، ونظيرُه:وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ ٱلْوَرِيدِ } [ق: 16]، " " هو بَيْنَكم وبين أَعْنَاق رواحلِكم "

والعاملُ في " إذا " قال الشيخ: " قولُه: أُجيبُ " يعني " إذا " الثانيةَ فيكونُ التقديرُ: أُجيبُ دعوته وقتَ دعائِه، فيُحْتَملُ أنْ تكونَ لمجردِ الظرفية وأَنْ تكونَ شرطيةً، وحذف جوابها لدلالةِ " أُجِيْبُ " عليه، وحينئذٍ لا يكونُ " أُجيبُ " هذا الملفوظُ به هو العامل فيها، بل ذلك المحذوفُ، أو يكونُ هو الجوابَ عند مَنْ يُجيز تقديمَه على الشرط، وأمَّا " إذا " الأولى فإنَّ العاملَ فيها ذلك القولُ المقدَّرُ. والهاء في " دعوة " ليستْ الدالَّة على المَرَّة نحو: ضَرْبَة وقَتْلَة، بل التي بُنِيَ عليها المصدرُ نحو: رَحْمة ونَجْدة، فلذلك لم تَدُلَّ على الوَحْدَة.

والياءان من قولِه: " الداع - دعانِ " من الزوائدِ عند القُرَّاء، ومعنى ذلك أنَّ الصحابَة لم تُثْبِتْ لها صورةً في المصحفِ، فمن القُرَّاء مَنْ أَسْقَطَها تَبَعاً للرسم وَقْفاً ووَصْلاً، ومنهم مَنْ يُثْبِتُها في الحالَيْن، ومنهم مَنْ يُثْبِتَها وَصَّلاً ويَحْذِفُها وَقْفاً، وجملةُ هذه الزوائد اثنتان وستون ياءً، ومعرفةُ ذلك مُحَالةُ على كتبِ القراءاتِ، فَأَثْبَتَ أبو عمروٍ وقالون هاتين الياءيْن وَصْلاً وحَذَفَاها وقفاً.

السابقالتالي
2