الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ ٱلْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْراً ٱلْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَٱلأَقْرَبِينَ بِٱلْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى ٱلْمُتَّقِينَ }

قوله تعالى: { كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ }: " كُتِبَ " مبنيٌّ للمفعول وحُذِفَ الفاعلُ للعلم به - وهو اللهُ تعالى - وللاختصار. وفي القائمِ مقامَ الفاعلِ ثلاثةُ أوجهٍ، أحدُها: أن يكونَ " الوصيةُ " أي: كُتِب عليكم الوصيةُ، وجاز تذكيرُ الفعلِ لوجهين، أحدُهُما: كونُ القائمِ مقامَ الفاعلِ مؤنثاً مجازياً، والثاني: الفصلُ بينه وبين مرفوعه. والثاني: أنه الإِيصاءُ المدلولُ عليه بقوله: { ٱلْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ } أي: كُتِب هو أي: الإِيصاء.

والثالث: أنه الجارُّ والمجرورُ، وهذا يتَّجِهُ على رَأي الأخفشِ والكوفيين. و " عليكم " في محلِّ رفعٍ على هذا القولِ، وفي محلِّ نصبٍ على القولين الأوَّلين.

قوله: { إِذَا حَضَرَ } العاملُ في " إذا " " كُتِب " على أنها ظرفٌ محضٌ، وليس متضمناً للشرطِ، كأنه قيل: كُتِب عليكم الوصيةُ وَقْتَ حضورِ الموتِ، ولا يجوزُ أن يكونَ العاملُ فيه لفظَ " الوصية " لأنها مصدرٌ، ومعمولُ المصدرِ لا يتقدَّم عليه لانحلاله لموصولٍ وصلةٍ إلا على مذهبِ مَنْ يَرى التوسُّع في الظرفِ وعديلِه، وهو أبو الحسن، فإنه لا يَمْنَعُ ذلك، فيكون التقديرُ: كُتِب عليهم أَنْ تُوصوا وَقْتَ حضورِ الموت.

وقال ابن عطية: " ويتَّجِه في إعرابِ هذه الآية أن يكونَ " كُتِب " هو العامل في " إذا " ، والمعنى: توجَّه عليكم إيجابُ الله ومقتضى كتابه إذا حضر، فعبَّر عن توجُّهِ الإِيجابِ بكُتب، لينتظم إلى هذا المعنى أنه مكتوبٌ في الأزل، و " الوصيةُ " مفعولٌ لم يُسَمَّ فاعلُه بكُتِب. وجوابُ الشرطَيْنِ " إنْ " و " إذا " مقدرٌ يَدُلُّ عليه ما تقدَّم من قوله كُتِب ". قال الشيخ: " وفي هذا تناقضٌ لأنه جَعَلَ العاملَ في " إذا " كُتِبَ، وذلك يَسْتَلْزم أن يكونَ " إذا " ظرفاً محضاً غيرَ متضمنٍ للشرطِ، وهذا يناقِضُ قوله: " وجوابُ " إذا " و " إنْ " محذوفٌ؛ لأنَّ إذا الشرطيةَ لا يَعْمَلُ فيها إلا جوابُها أو فعلُها الشرطِيُّ، و " كُتِب " ليس أحدَهما، فإنْ قيل: قومٌ يجيزون تقديم جوابِ الشرطِ فيكونُ " كُتب " هو الجوابَ، ولكنه تقدَّم، وهو عاملٌ في " إذا " فيكونُ ابنُ عُطية يقولُ بهذا القولِ. فالجوابُ: أنَّ ذلك لا يجوزُ، لأنه صَرَّح بأنَّ جوابَها محذوف مدلولٌ عليه بكُتب، ولم يَجْعَل كُتِبَ هو الجوابَ ".

ويجوز أَنْ يكونَ العاملُ في " إذا " الإِيصاء المفهوم من لفظ " الوصية " وهو القائمُ مقامَ الفاعلِ في " كُتِب " كما تقدَّم. قال ابنُ عطيةَ في هذا الوجهِ: " ويكونُ هذا الإِيصاءُ المقدَّرُ الذي يَدُلُّ عليه ذِكْرُ الوصية بعدُ هو العاملَ في " إذا " وترتفع " الوصيةُ " ، بالابتداء، وفيه جوابُ الشرطين على [نحو] ما أنشده سيبويه:

السابقالتالي
2 3