الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ ٱلْمَيْتَةَ وَٱلدَّمَ وَلَحْمَ ٱلْخِنزِيرِ وَمَآ أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ ٱللَّهِ فَمَنِ ٱضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَلاۤ إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }

قوله تعالى: { إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ ٱلْمَيْتَةَ }: الجمهُور قرؤوا " حَرَّم " مشدَّد مبنياً للفاعِلِ، " الميتة " نصباً، على أنَّ " ما " كافةٌ مهيِّئَةٌ لإِنَّ في الدخولِ على هذه الجملَةِ الفعليةِ، وفاعلُ " حَرَّم " ضَمِيرُ اللَّهِ تعالى. و " الميتةَ " مفعولٌ به. وابنُ أبي عبلة برفع الميتة وما بعدَها. وتخريجُ هذه القراءةِ سهلٌ، وهو أن تكونَ " ما " موصولةً، و " حَرَّمَ " صلتها، والفاعلُ ضميرُ اللَّهِ تعالى، والعائدُ محذوفٌ لاستكمالِ الشروطِ، تقديرُهُ: حَرَّمه، والموصولُ وصلتُه في محلِّ نصبٍ اسمُ " إنَّ " و " الميتةُ " خبرُها.

وقرأ أبو جعفر: " حُرَّم " مبنياً للمفعولِ، فتحتملُ " ما " في هذه القراءةِ وجهين، أحدُهما: أن تكونَ " ما " مهيِّئَةً، و " الميتةُ " مفعولُ ما لم يُسَمَّ فاعلُه والثاني: أن تكون موصولةً، فمفعولُ " حَرَّمَ " القائم مقامَ الفاعلِ ضميرٌ مستكنٌ يعود على " ما " الموصولةِ، و " الميتةُ " خبرُ " إنَّ ".

وقرأ أبو عبدِ الرحمن السُّلَّمي: " حَرُمَ " بضمِّ الراء مخففةً، و " الميتةُ " رفعاً " و " ما " تحتملُ الوجهين أيضاً، فتكونُ مهيئةً، و " الميتةُ " فاعلٌ بحَرُم، أو موصولةً، والفاعلُ ضميرٌ يعودُ على " ما " ، وهي اسمُ " إنَّ " ، و " الميتةُ " خبرُها.

والجمهورُ على تخفيفِ " المَيْتَة " في جميع القرآنِ، وأبو جَعْفَرٍ بالتشديدِ وهو الأصل، وهذا كما تقدَّم في أنَّ " المَيْت " مخفَّفٌ من " الميِّت " وأن أصلَه: مَيْوِت، وهما لغتان، وسيأتي تحقيقُ ذلك عند قولِهِوَتُخْرِجُ ٱلْحَيَّ مِنَ ٱلْمَيِّتِ } [الآية: 27] في آلِ عمران. ويُحْكَى عن قدماءِ النحاة أن " المَيْت " بالتخفيف مَنْ فارقَتْ روحُهُ جسدَه، وبالتشديد مَنْ عايَنَ أسبابَ الموتِ ولم يَمُتْ. وحكى ابنُ عطية عن أبي حاتم أنَّ ما قد ماتَ يُقالان فيه، وما لم يَمُتْ بعدُ لا يقال فيه بالتخفيفِ، ثم قال: " ولم يَقْرَأ أحدٌ بتخفيفِ ما لم يَمُتْ إلا ما رَوَى البزي عن ابنِ كثير:وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ } [إبراهيم: 17]. وأمَّا قولُه:
816 - إذا ما ماتَ مَيْتٌ من تميمٍ   فَسَرَّكَ أن يعيشَ فَجِىءْ بِزادِ
[فقد حُمِل على مَنْ شارَفَ الموتَ، وحَمْلُه على الميتِ حقيقةً أبلغُ في الهجاء].

وأصل " مَيِّتة ": مَيْوِتَة، فَأُعِلَّتْ بقَلْبِ الواوِ ياءً وإدغامِ الياءِ فيها، وقال الكوفيون: أصلُه: مَوِيت، ووزنُه فَعيل.

واللحمُ معروفٌ، وجمعه لُحوم ولُحْمان، يُقال: لَحُمَ الرجلُ بالضم لحامةً فهو لَحِيم، أي: غَلُظَ، ولَحِمَ بالكسر يَلْحَم بالفتح فهو لَحِم: اشتاق إلى اللَّحْم وألحمَ الناسُ فهو لاحِمٌ، أي: أَطعَمَهم اللحمَ، وأَلْحَمَ كثُر عنده اللحمُ.

السابقالتالي
2 3