الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ كُلُواْ مِمَّا فِي ٱلأَرْضِ حَلاَلاً طَيِّباً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ ٱلشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ }

قولُه تعالى: { مِمَّا فِي ٱلأَرْضِ حَلاَلاً طَيِّباً }: " حلالاً " فيه خمسةُ أوجهٍ، أحدُها: أَن يكونَ مفعولاً بـ " كُلوا " ، و " مِنْ " على هذا فيها وجهان، أحدُهما: أَنْ تتعلَّق بكُلوا، ويكونُ معناها ابتداءَ الغايةِ. والثاني: أنْ تتعلَّقَ بمحذوفٍ على أنَّها حالٌ من " حلالاً " وكانت في الأصلِ صفةً له فلمّا قُدِّمت عليه انتصَبَت حالاً، ويكونُ معنى " مِنْ " التبعيض. الثاني: أن يكونَ انتصابُ " حلالاً " على أنه نعت لمفعولٍ محذوفٍ، تقديرُه: شيئاً أو زرقاً حلالاً ذكرَه مكي، واستبعدَه ابنُ عطية، ولم يُبَيِّنْ وجهَ بُعْدِهِ، والذي يَظْهَرُ في بُعْدِه أنَّ " حلالاً " ليس صفةً خاصةً بالمأكولِ، بل يُوصَفُ به المأكولُ وغيرُه، وإذا لم تكن الصفةُ خاصةً لا يجُوزُ حَذْفُ الموصوفِ. الثالثُ: أَنْ ينتصِبَ " حلالاً " على أنه حالٌ من " ما " بمعنى الذي، أي: كُلوا من الذي في الأرض حال كَونِه حلالاً. الرابع: أن ينتصِبَ على أنَّه نعتٌ لمصدرٍ محذوفٍ، أي: أكلاً حلالاً، ويكون مفعولُ " كُلوا " محذوفاً، و " ما في الأرض " صفةٌ لذلك المفعولِ المحذوفِ، ذكره أبو البقاء، وفيه من الردِّ ما تقدَّم على مكي، ويجوزُ على هذا الوجهِ الرابع ألاَّ يكونَ المفعولُ محذوفاً بل تكون " مِنْ " مزيدةً على مذهب الأخفش تقديرُه: كُلوا ما في الأرض أكلاً حلالاً. الخامس: أنْ يكونَ حالاً من الضمير العائِد على " ما " قاله ابنُ عطية، يعني بالضمير الضميرَ المستكنَّ في الجارِّ والمجرورِ الواقعِ صلةً.

و " طيباً " فيه ثلاثة أوجه، أحدُها: أن يكونَ صفةً لحلالاً، أمَّا على القول بأنَّ " مِنْ " للابتداءِ متعلِّقة بـ " كُلوا " فهو واضحُ، وأمّا على القولِ بأنّ " مِما في الأرض " حالٌ من " حلالاً " ، فقال أبو البقاء: " ولكنَّ موضعَها بعد الجارِّ والمجرور، لئلا يُفْصَلَ بالصفةِ بين الحالِ وذي الحالِ " وهذا الذي قاله ليس بشيء فإنَّ الفصلَ بالصفةِ بين الحال وصاحِبها ليس بممنوع، تقول: " جاءني زيدٌ الطويلُ راكباً " بل لو قَدَّمْتَ الحالَ على الصفةِ فقلتَ: " جاءني زيدٌ راكباً الطويلُ " كان في جوازه نظرٌ. الثاني: أن يكونَ صفةً لمصدرٍ محذوفٍ أو حالاً من المصدرِ المَعْرفة المحذوفِ أي: أكلاً طيباً. الثالث: أن يكونَ حالاً من الضميرِ في " كُلوا " تقديرُه: مستطيبين، قاله ابنُ عطية، قال الشيخُ: " وهذا فاسدٌ في اللفظ/ والمعنى، أمّا اللفظُ فلأنَّ " الطيِّب " اسمُ فاعل فكان ينبغي أن تُجْمَعَ لتطابق صاحبَها فيقال: طيبين، وليس " طيب " مصدراً فيقال: إنما لم يُجْمَع لذلك.

السابقالتالي
2