الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ فِي خَلْقِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَٱخْتِلاَفِ ٱللَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ وَٱلْفُلْكِ ٱلَّتِي تَجْرِي فِي ٱلْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ ٱلنَّاسَ وَمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مِن مَّآءٍ فَأَحْيَا بِهِ ٱلأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٍ وَتَصْرِيفِ ٱلرِّيَاحِ وَٱلسَّحَابِ ٱلْمُسَخَّرِ بَيْنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ }

قوله تعالى: { ٱللَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ }: " الليل " قيل: هو اسمُ جنسٍ فيفرِّقُ بين واحدِه وجمعِه تاءُ التأنيث فيقال: ليلة وليل كتمرة وتمر، والصحيحُ أنه مفردٌ ولا يُحْفَظ له جمعٌ، ولذلك خَطَّأ الناسُ مَنْ زَعَم أنَّ اللياليَ جَمْعَ ليل، بل الليالي جمع لَيْلة، وهو جمعٌ غريب، ولذلك قالوا: هو جَمْع ليلاة تقديراً وقد صُرِّح بهذا المفردِ في قَوْل الشاعر:
785 ـ في كلِّ يوم وبكلِّ ليلاهْ   
ويَدُلُّ على ذلك تصغيرُهم لها على لُيَيْلَة ونظير ليلة وليال كَيْكة وكَيَاك كأنهم تَوهَّموا أنها كَيْكات في الأصل، والكيكة: البيضة. وأمّا النهار فقال الراغب: " هو في الشرعِ لِما بينَ طلوعِ الفجر إلى غروبِ الشمس " ، وظاهرُ اللغة أنه من وقت الإِسفار، وقال ثعلب والنضر بن شميل: " هو من طُلوع الشمس " زاد النضر " ولا يُعَدُّ من قبل ذلك من النهار ". وقال الزجاجِ: " أولُ النهار دُرورُ الشمسِ " ويُجْمع على نُهُر وأَنْهِرَة نحو قَذَال وقُذُل وأَقْذِلة، وقيل: " لا يُجْمع لأنه بمنزلة المصدر، والصحيحُ جَمْعُه على ما تقدَّم قال:
786 ـ لولا الثَّريدان لَمُتْنا بالضُّمُرْ   ثريدُ ليلٍ وثريدٌ بالنُّهُرْ
وقد تقدَّم اشتقاقُ هذه المادة وأنها تَدُلُّ على الاتساع، ومنه: " النهار " لاتساعِ ضوئِه عند قولهمِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ } [البقرة: 25].

والاختلافُ مصدرٌ مضاف لفاعِله، المرادُ باختلافهما أنَّ كلَّ واحد يَخْلُف، ومنه:جَعَلَ ٱللَّيْلَ وَٱلنَّهَارَ خِلْفَةً } [الفرقان: 62]، وقال زهير:
787 ـ بِها العِيْنُ والآرامُ يَمْشِيْنَ خِلْفَةً   وأَطْلاؤُها يَنْهَضْنَ مِنْ كلِّ مَجْثَمِ
وقال آخر:
788 ـ ولها بالماطِرُون إذا   أَكَلَ النملُ الذي جَمَعا
خِلْفَةٌ حتى إذا ارتَبَعَتْ   سَكَنَتْ من جِلَّقٍ بِيَعَا
وقَدَّم الليلَ على النهار لأنَّه سابقهُ، قال تعالى:وَآيَةٌ لَّهُمُ ٱلْلَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ ٱلنَّهَارَ } [يس: 37] وهذا أصحُّ القولين، وقيل: النورُ سابِقُ الظلمةِ وينبني على هذا الخلافِ فائدةٌ: وهي أن الليلةَ هل هي تابعةٌ لليومِ قبلَها أو لليومِ بعدَها؟ فعلى القولِ الصحيح تكونُ الليلةُ لليوم بعدها، فيكونُ اليومُ تابعاً لها. وعلى القولِ الثاني تكونُ لليومِ قبلَها فتكونُ الليلةُ تابعةً له، فيومُ عرفَةَ على القولِ الأولِ مستثنىً من الأصل فإنه تابعٌ لليلةِ بعدَه، وعلى الثاني جاءَ على الأصل.

قوله: { وَٱلْفُلْكِ } عطفٌ على " خَلْقِ " المجرورِ بـ " في " لا على " السماواتِ " المجرورةِ بالإِضافة، والفُلْك [يكون واحداً كقولِه:فِي ٱلْفُلْكِ ٱلْمَشْحُونِ } [الشعراء: 119] وجمعاً] كقوله:فِي ٱلْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم } [يونس: 22] فإذا أُريد به، الجَمعُ ففيه أقوالٌ، أحدُها: قولُ سيبويهِ - وهو الصحيحُ - " أنه جمعُ تكسير " فإنْ قيل: جمعُ التكسيرِ لا بُدَّ فيه من تغيُّرٍ ما، فالجوابُ أنَّ تغييره مقدَّرٌ، فالضمةُ في حالِ كونه جمعاً كالضمةِ في " حُمُر " و " نُدُب " وفي حالِ كونهِ مفرداً كالضمة في قُفْل.

السابقالتالي
2 3 4 5