الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِلَـٰهُكُمْ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ لاَّ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ ٱلرَّحْمَـٰنُ ٱلرَّحِيمُ }

قوله تعالى: { وَإِلَـٰهُكُمْ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ }: خبرٌ المبتدأ، و " واحدٌ " صفةٌ، وهو الخبرُ في الحقيقةِ لأنه محطُّ الفائدةِ، ألا ترى أنه لو اقْتُصِر على ما قبلَه لم يُفِدْ وهذا يُشْبِهُ الحال الموطِّئةَ نحو: مررتُ بزيد رجلاً صالحاً، فرجلاً حالٌ وليست مقصودةً، إنما المقصودُ وَصْفُها.

قوله: { إِلاَّ هُوَ } رفعُ " هو " على أنَّه بدلٌ من اسم " لا " على المحلِّ، إذ محلُّه الرفعُ على الابتداءِ أو هو بَدَلٌ مِنْ " لا " وما عَمِلَتْ فيه لأنَّها وما بعدَها في محلِّ رفعٍ بالابتداء، وقد تقدَّم تقريرُ ذلك، ولا يجوزُ أن يكونَ " هو " خبرَ لا التبرئة لِما عَرَفْتَ أنها لا تَعْمَلُ في المعارفِ بل الخبرُ محذوفٌ أي: لا إله لنا، هذا إذا فَرَّعنا على أنَّ " لا " المبنيَّ معها اسمُها عاملةٌ في الخبر، أمَّا إذا جَعَلْنا الخبرَ مرفوعاً بما كان عليه قبل دخولِ لا وليس لها فيه عملٌ - وهو مذهبُ سيبويه - فكان ينبغي أَنْ يكونَ " هو " خبراً إلا أنه مَنَعَ من ذلك كونُ المبتدأِ نكرةً والخبرُ معرفةً وهو ممنوعٌ إلا في ضرائِر الشعرِ في بعضِ الأبوابِ.

واستشكل الشيخُ كونَه بدلاً مِنْ " إله " قال: " لأنه لم يُمْكِنْ تكريرُ العاملِ لا تقولُ: " لا رجلَ لا زيدَ " ، والذي يظهر لي أنه ليس بدلاً من " اله " ولا مِنْ " رجل " في قولك " لا رجلَ إلا زيدٌ، إنما هو بدلٌ من الضميرِ المستكنِّ في الخبرِ المحذوفِ فإذا قُلْنا: " لا رجلَ إلا زيدٌ " فالتقدير: لا رجلَ كائنٌ أو موجودٌ إلا زيد، فزيدٌ بدلٌ من الضميرِ المستكنِّ في الخبر لا من " رجل " ، فليس بدلاً على موضعِ اسم لا، وإنما هو بدلٌ مرفوعٌ من ضمير مرفوع، ذلك الضميرُ هو عائدٌ على اسم [لا]، ولولا تصريحُ النَّحْويين أنَّه بدلٌ على الموضع من اسم " لا " لتأوَّلْنا كلامهم على ما تقدَّم تأويلُه ". وهذا الذي قالَه غيرُ مشكل لأنهم لم يقولوا: هو بدلٌ من اسمِ لا على اللفظِ حتى يَلْزَمَهم تكريرُ العاملِ، وإنما كان يُشْكِلُ لو أجازوا إبدالَه من اسمِ " لا " على اللفظِ وهم لم يُجِيزوا ذلك لعدمِ إمكانِ تكريرِ العاملِ، ولذلك مَنَعوا وجهَ البدلِ في قولِهم { لا إله إلا اللهَ } وجعلوه انتصاباً على الاستثناء، وأجازوه في قولك: " لا رجلَ في الدارِ إلا صاحباً لك " لأنه يمكنُ فيه تكريرُ العاملِ.

قوله: { ٱلرَّحْمَـٰنُ ٱلرَّحِيمُ } فيه أربعة أوجه، أحدها: أن يكونَ بدلاً من " هو " بدلَ ظاهرٍ من مضمر، إلاَّ أنَّ هذا يؤدي إلى البدلِ بالمشتقات وهو قليلٌ، ويمكن.

السابقالتالي
2