الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱلصَّفَا وَٱلْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ ٱللَّهِ فَمَنْ حَجَّ ٱلْبَيْتَ أَوِ ٱعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَن تَطَوَّعَ خَيْراً فَإِنَّ ٱللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ }

قوله تعالى: { إِنَّ ٱلصَّفَا }: " الصَّفا " اسمُها، و { مِن شَعَآئِرِ ٱللَّهِ } خبرُها. قال أبو البقاء: " وفي الكلامِ حَذْفُ مضافٍ، تقديرُه: " طوافُ الصفا، أو سَعْيُ الصفا ". وألفُ الصَّفا عن واوٍ بدليلِ قَلْبِها في التثنية واواً، قالوا: صَفَوان، والاشتقاقُ يَدُلُّ عليه أيضاً لأنَّه من الصَّفْوِ، وهو الخُلُوصُ، والصَّفا الحَجَرُ الأمْلَسُ وقيل: الذي لا يُخالِطُه غيرُه من طينٍ أو ترابٍ، ويُفَرَّقُ بين واحدِه وجَمْعِه تاءُ التأنيثِ نحو: صفاً كثيرٌ وصفاة واحدة، وقد يجمع الصَّفا على فُعول وأَفْعال قالوا: صُفِيٌّ بكسر الصاد وضمِّها كعِصِيّ، وأصْفاء، والأصل: صُفُوو وأَصْفاو، فَقُلِبَتِ الواوان في " صُفُوو " ياءَين، والواوُ في أصفاء همزةً ككساء وبابه. والمَرْوَةُ: الحِجارة الصِّغارُ، فقيل اللَّيِّنَة وقيل: الصُلبة، وقيل المُرْهَفَةُ الأطْراف، وقيل البيض وقيل: السُّود، وهما في الآية عَلَمان لجبلين معروفين. والألفُ واللامُ فيهما للغَلَبةِ كهما في البيت والنجم، وجمعها: مَرْوٌ، كقوله:
780 ـ وترى المَرْوَ إذا ما هَجَّرَتْ   عن يَدَيْها كالفَراشِ المُشْفَتِرّْ
والشعائر: جمع شَعيرَة وهي العلامةُ، وقيل: جمع شِعارة، والرادُ بها في الآية مناسِكُ الحُجِّ، والأجود " شعائِر " بالهمزِ لزيادةِ حرفِ المَدّ وهو عكسُ معائِش ومصائب./

قوله: { فَمَنْ حَجَّ ٱلْبَيْتَ } " مَنْ " شرطيَّةٌ في محلِّ رفع بالابتداءِ، و " حَجَّ " في محلِّ جَزْمٍ، و " البيتَ " نَصْبٌ على المفعولِ به لا على الظرفِ، والجوابُ قولُه: " فلا جُناحَ ". والحَجُّ لغةً: القَصْدُ مرةً بعدَ أخرى، قال:
781 ـ لِراهِبٍ يَحُجُّ بيتَ المَقْدِسِ   في مِنْقَلٍ وبُرْجُدٍ وبُرْنُسِ
والاعتمارُ: الزيارةُ، وقيل: مطلقُ القصدِ، ثم صارا عَلَمين بالغَلَبة في المعاني كالبيت والنجم في الأعيان.

وقوله: { فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ } الظاهرُ أنَّ " عليه " خبرُ " لا " ، و " أَنْ يَطَّوَّفَ " أصلُه: في أَنْ يَطَّوَّفَ، فَحُذِف حرفُ الجر، فيجيء في محلِّها القولان، النصبُ أو الجرُّ. والوقفُ في هذا الوجهِ على قولِه " بهما ". وأجازوا بعد ذلك أوجهاً ضعيفةً منها: أن يكونَ الكلامُ قد تَمَّ عند قولِه " فلا جُناحَ " على أن يكونَ خبرُ " لا " محذوفاً، وقدَّره أبو البقاء: " فَلاَ جُنَاحَ في الحج " ويُبْتدَأ بقولِه: { عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ } فيكونُ " عليه " خبراً مقدماً و " أَنْ يطَّوَّفَ " في تأويلِ مصدرٍ مرفوعٍ بالابتداءِ، فإنَّ الطوافَ واجبٌ، قال أبو البقاء هنا: " والجيدُ أن يكونَ " عليه " في هذا الوجهِ خبراً، و " أَنْ يَطَّوَّفَ " مبتدأً ".

ومنها: أن يكونَ { عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ } من بابِ الإِغراءِ، فيكونَ " أَنْ يَطَّوَّفَ " في محلِّ نصبٍ كقولك، عليك زيداً، أي: الزَمْه، إلا أنَّ إغراءَ الغائبِ ضعيفٌ، حكى سيبويه: " عليه رجلاً لَيْسَني " ، قال: وهو شاذ.

السابقالتالي
2 3