الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَٱسْتَبِقُواْ ٱلْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُواْ يَأْتِ بِكُمُ ٱللَّهُ جَمِيعاً إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }

قوله تعالى: { وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ }: جمهورُ القراء على تنوين " كل " ، وتنوينُه للعوض من المضافِ إليه، والجارُّ خبرٌ مقدَّمٌ، و " وِجْهَةٌ " مبتدأُ مؤخرٌ، واختُلِفَ في المضافِ إليه " كل " المحذوفِ فقيل: تقديرُه: ولكلِّ طائفةٍ من أهل الأديان، وقيل: ولكلِّ أهلِ موضعٍ من المسلمين وِجْهَتُه إلى جهة الكعبة يميناً وشمالاً ووراءُ وقُدَّامُ. وفي " وِجْهَة " قولان، أحدُهما - ويُعْزَى للمبرِّد والفارسي والمازني في أحدِ قولَيْه -: أنّها اسمُ المكانِ المتوجَّه إليه، وعلى هذا يكونُ إثباتُ الواوِ قياساً إذ هي غيرُ مصدرٍ. قال سيبويه " ولو بَنَيْتَ فعْلَةَ من الوَعْد لقلتَ: وِعْدَة، ولو بَنَيْتَ مصدراً لقلْتَ: عِدَة، والثاني: أنها مصدرٌ، ويُعْزى للمازني، وهو ظاهرٌ كلام سيبويه، فإنه قال بعد ذِكْر حَذْفِ الواو من المصادر: " وقد أثبتوا فقالوا: وِجْهَة في الجِهة " ، وعلَى هذا يكونُ إثباتُ الواوِ شاذاً مَنْبَهَةً على ذلك الأصلِ المتروكِ في عِدَة ونحوِها، والظاهرُ أَنَّ الذي سَوَّغَ إثباتَ الواوِ وإنْ كانَتْ مصدراً أنها مصدرٌ جاءَتْ على حَذْفِ الزوائدِ؛ إذ الفعلُ المسموعُ من هذه المادةِ تَوَجَّه واتَّجَهَ، ومصدرُهما التوجُّه والاتِّجاه، ولم يُسْمَعْ في فِعْلِه: وَجَهَ يَجِهُ كَوَعَدَ يَعِدُ، وكانَ الموجِبَ لحَذْفِ الواوِ من عِدَة وزِنَة الحملَ على المضارعِ لوقوعِ الواوِ بين ياءٍ وكسرةٍ، وهنا فلم يُسْمَعْ فيه مضارعٌ يُحْمَلُ مصدرُه عليه فلذلك قلت: إنَّ " وِجْهَة " مصدرٌ على حَذْفِ الزوائدِ لَتَوَجَّه أو اتَّجَه. وقد ألَمَّ أبو البقاء بشيءً من هذا.

قوله: { هُوَ مُوَلِّيهَا } جملةٌ من مبتدأٍ وخبرٍ في محلِّ رفعٍ لأنَّها صفةٌ لوِجْهَة، واختُلِف في " هو " على قولين، أحدَهما: أنه يعودُ على لفظِ " كل " / لا على معناها ولذلك أُفْرِدَ، والمفعول الثاني محذوف لفهمِ المعنى تقديرُه هو مُوَلِّيها وَجْهَه أو نفسَه، ويؤيد هذا قراءةُ ابن عامر: " مُوَلاَّها " على ما لم يُسَمَّ فاعلُه كما سيأتي. والثاني: أنه يعودُ على اللهِ تعالى أي: الله مُوَلِّي القبلةِ إياه، أي ذلك الفريقُ.

وقرأ الجمهورُ: " مُوَلِّيها " على اسمُ فاعل، وقد تقدَّم أنه حُذِفَ أحدُ مفعولَيْه، وقرأ ابن عامر - ويُعْزَى لابن عباس - مُوَلاَّها على اسمِ المفعول، وفيه ضميرٌ مرفوعٌ قائمٌ مقامَ الفاعلِ، والثاني هو الضميرُ المتصلُ به وهو " ها " العائدُ على الوجهة، وقيل: على التوليةِ ذكره أبو البقاء، وعلى هذه القراءةِ بتعيَّن عَوْدُ " هو " إلى الفريق، إذ يَسْتَحِيلُ في المعنى عَوْدُه على الله تعالى، وقرأ بعضُهم: " ولكلِّ وِجْهَةٍ " " بالإِضافة، ويُعزى لابنِ عامر، واختلفوا فيها على ثلاثةِ أقوالٍ أحدُها: - وهو قولُ الطبري -: أنها خطأ وهذا ليس بشيء، إذ الإِقدامُ على تخطئة ما ثَبَتَ عن الأئمةِ لا يَسْهُلُ.

السابقالتالي
2 3