الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ فَإِنْ آمَنُواْ بِمِثْلِ مَآ آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ ٱهْتَدَواْ وَّإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ ٱللَّهُ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ }

قوله تعالى: { بِمِثْلِ مَآ آمَنْتُمْ بِهِ }: في الباءِ أقوالٌ، أحدُها: أنها زائدةٌ كهي في قولِهوَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ } [البقرة: 195] وقوله:وَهُزِّىۤ إِلَيْكِ بِجِذْعِ } [مريم: 25] وقوله:
747 ـ..................   سُودُ المَحاجِرِ لا يَقْرَأْنَ بالسُّوَرِ
والثاني: أنها بمعنى " على، أي: فإنْ آمَنوا على مثلِ إيمانكم بالله ". والثالث: أنَّها للاستعانةِ كهي في " نَجَرْتُ بالقَدُوم " و " كَتَبْتُ بالقلم " والمعنى: فإنْ دَخَلوا في الإِيمانِ بشهادةٍ مثلِ شهادتِكم، وعلى هذه الأوجهِ فيكونُ المؤمَنُ به محذوفاً، و " ما " مصدريةً والضميرُ في " به " عائداً على الله تعالى، والتقديرُ: فإنْ آمنوا باللهِ إيماناً مثلَ إيمانِكم به، و " مثل " هنا فيها قولان، أحدُهما: أنَّها زائدةٌ والتقديرُ: بما آمنْتُم به، وهي قراءة عبدِ الله بنِ مسعودٍ وابن عباس، وذكر البيهقي عن ابن عباس: " لا تقولوا بمثلِ ما آمنتم [به] فإنَّ اللهَ لَيس لَه مِثْلٌ ولكن قولوا بالذين آمنتم به } وهذه تُرْوَى قراءةً [عن] أُبَيّ، ونظيرُها في الزيادةِ قولُ الشاعرِ:
748 ـ فَصُيِّروا مثلَ كعصفٍ مَأْكُولْ   
وقال بعضهم: هذا من مجازِ الكلام تقولُ: هذا أمرٌ لا يَفْعَلُه مثلُك، أي لا تَفْعَلُه أنت، والمعنى: فإن آمنوا بالذي آمنتم به، نَقَلَه ابنُ عطية، وهو يَؤُول إلى إلغاءِ " مثل " وزيادتِها، والثاني: أنها ليست بزائدةٍ، والمثليةُ متعلقةٌ بالاعتقادِ، أي: فإن اعتقدوا بمثلِ اعتقادكم، أو متعلقةٌ بالكتابِ أي: فإنْ آمنوا بكتاب مثلِ الكتابِ الذي آمنتُمْ به، والمعنى: فإنْ آمَنوا بالقرآنِ الذي هو مُصَدَّقٌ لِما في التوراةِ والإِنجيلِ، وهذا التأويلُ ينفي زيادةَ الباء.

و " ما " قولِه: { بِمِثْلِ مَآ آمَنْتُمْ } فيها وجهان، أحدُهما: أنَّها بمعنى الذي والمرادُ بها حينئذٍ: إمَّا اللهُ تعالى بالتأوِيل المتقدِّمِ عِندَ مَنْ يُجيز وقوعَ " ما " على أولي العلمِ نحو:وَٱلسَّمَآءِ وَمَا بَنَاهَا } [الشمس: 5] وإمَّا الكتابُ المنزَّلُ. والثاني: أنَّها مصدريةٌ وقد تقدَّم ذلك. والضميرُ في " به " فيه أيضاً وجهان، أحدُهما: أنَّه يعودُ على اللهِ تعالى كما تقدَّم. والثاني: أن يعودَ على " ما " إذا قيل: إنَّها بمعنى الذي.

قوله: { فَقَدِ ٱهْتَدَواْ } جوابُ الشرط في قوله: " فإنْ آمنوا " ، وليس الجوابُ محذوفاً، كهو في قوله:وَإِن يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ } [فاطر: 4] لأنَّ تكذيبَ الرسلِ ماضٍ محقَّقُ هناك فاحتجْنا إلى تقديرِ جوابٍ، وأمَّا هنا فالهدايةُ منهم لم تقعْ بعدُ فهي مستقبلةٌ معنىً وإن أُبْرِزَتْ في لفظِ المُضِيّ.

قوله: { فِي شِقَاقٍ } خبرٌ لقوله: " هم " وجَعَلَ الشِّقاقَ ظرفاً لهم وهم مظروفون له مبالَغَةً في الإِخبارِ باستعلائِه عليهم، وهو أَبْلَغُ مِنْ قولِك هم مُشاقُّون، ومثلُه:إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ } [الأعراف: 66] ونحوُه: والشِّقاقُ مصدرٌ من شاقَّه يُشاقُّه نحو: ضاربه ضِراباً، ومعناه المخالَفَةُ والمُعَادَاةُ، وفي اشتقاقِه ثلاثةُ أقوالٍ، أحدُها: أنه من الشِّقِّ وهو الجانبُ.

السابقالتالي
2