الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ وَوَصَّىٰ بِهَآ إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَابَنِيَّ إِنَّ ٱللَّهَ ٱصْطَفَىٰ لَكُمُ ٱلدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُم مُّسْلِمُونَ }

قوله تعالى: { وَوَصَّىٰ }: قُرِىء مِنْ وصَّى، وفيه معنى التكثير باعتبارِ المفعولِ المُوَصَّى، وأَوْصى رباعياً وهي قراءةُ نافعٍ وابنِ عامر، وكذلك هي في مصاحفِ المدينةِ والشام، وقيل أَوْصى ووصَّى بمعنىً.

والضميرُ في " بها " فيه ستةُ أقوالٍ، أحدُها: أنه يعودُ على المِلَّة في قوله: { وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ } ، قال الشيخ: " وبه ابتدأ الزمخشري، ولم يذكُرِ [المهدوي] وغيرَه " والزمخشري - رحمه الله - لم يذكرْ هذا، وإنما ذَكَرَ عَوْدَه على قوله " أَسَلَمْتُ " لتأويله بالكلمةِ، قال الزمخشري: " والضميرُ في " بها " لقولِه { أَسْلَمْتُ لِرَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } على تأويلِ الكلمةِ والجملةِ، ونحوُه رجوعُ الضميرِ في قولِه:وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً } [الزخرف: 28] إلى قوله:إِنَّنِي بَرَآءٌ مِّمَّا تَعْبُدُونَ إِلاَّ ٱلَّذِي فَطَرَنِي } [الزخرف: 28] وقولُه " كلمةً باقيةً " دليلٌ على أن التأنيثِ على معنى الكلمة. انتهى. الثاني: أنَّه يعودُ على الكلمةِ المفهومةِ من قولِه " أَسْلَمْتُ " كما تقدَّم تقريرُه عن الزمخشري: قال ابن عطية: " وهو أصوبُ لأنه أقربُ مذكور ". الثالثُ: أنه يَعودُ على متأخر، وهو الكلمةُ المفهومةُ مِنْ قولِه: { فَلاَ تَمُوتُنَّ إَلاَّ وَأَنْتُم مُّسْلِمُونَ }. الرابع: أنه يعودُ إلى كلمةِ الإِخلاص وإن لم يَجْرِ لها [ذِكْرٌ]. الخامسُ: أنه يعودُ على الطاعةِ للعلم بها أيضاً. السادسُ: أنَّه يعودُ على الوصيَّةِ المدلولِ عليها بقوله: " ووصَّى " ، و " بها " يتعلَّق لوصَّى. و " بنِيه " مفعولٌ به.

قوله: { وَيَعْقُوبُ } الجمهورُ على رفعه وفيه قولان، أظهرهُما: أنه عطفٌ على " إبراهيم " ويكونُ مفعولُه محذوفاً أي: ووصَّى يعقوبُ بنيه أيضاً، والثاني: أن يكونَ مرفوعاً بالابتداءِ وخبرُه محذوفٌ تقديرُه ويعقوبُ قال: يا بَنِيَّ إنَّ الله اصطفى. وقرأ إسماعيل بن عبد الله وعمرو بن فائد بنصبه عطفاً على " بَنيه " ، أي: ووصَّى إبراهيمُ يعقوبَ أيضاً.

قوله: { يَا بَنِيَّ } فيه وجهان، أحدُهما: أنَّه من مقولِ إبراهيمِ، وذلك على القولِ بعطفِ يعقوبَ على إبراهيم أو على قراءتهِ منصوباً. والثاني: أنه مِنْ مقولِ يعقوبَ إنْ قُلْنا رفعُه بالابتداءِ ويكونُ قد حَذَفَ مقولَ إبراهيم للدلالةِ عليه تقديرُه: " ووصَّى إبراهيمُ بنيه يا بَنِيَّ، وعلى كلِّ تقديرٍ فالجملةُ من قوله: " يا بَنِيَّ " وما بعدها [منصوبةٌ] بقولٍ محذوفٍ على رأيِ البصريين، أي: فقال يا بَنِيَّ، وبفعل الوصيَّةِ لأنَّها في معنى القولِ على رأيِ الكوفيين، وقال الراجز:
731 ـ رَجُلانِ مِنْ ضَبَّةَ أَخْبرانَا   إنَّا رَأَيْنا رجلاً عُرْيانا
بكسر الهمزةِ على إضمارِ القولِ، أو لإِجراءِ الخبرِ مُجْرى القولِ، ويؤيِّد تعلُّقَها بالوصية قراءةُ ابنِ مسعود: " أَنْ يا بَنِيَّ " بـ " أَنْ " المفسرة، ولا يجوزُ أن تكونَ هنا مصدريةً لعدمِ ما يَنْسَبِكُ منه مصدرٌ، ومَنْ أبى جَعْلَها مفسرةً وهم الكوفيون يجعلونَها زائدةً.

السابقالتالي
2