الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱلَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ ٱلْكِتَـٰبَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاَوَتِهِ أُوْلَـٰئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمن يَكْفُرْ بِهِ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْخَٰسِرُونَ } * { يَابَنِي إِسْرَائِيلَ ٱذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ ٱلَّتِيۤ أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى ٱلْعَالَمِينَ } * { وَٱتَّقُواْ يَوْماً لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلاَ تَنفَعُهَا شَفَاعَةٌ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ } * { وَإِذِ ٱبْتَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي ٱلظَّالِمِينَ }

قولُه تعالى: { ٱلَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ }: رفعٌ بالابتداء، وفي خبرهِ قولان، أحدُهما: " يَتْلُونه " ، وتكونُ الجملةُ من قولِه " أولئكَ يؤمنون ": إمَّا مستأنفةً وهو الصحيحُ، وإمَّا حالاً على قولٍ ضعيفٍ تقدَّم مثلُه أولَ السورة. والثاني: أنَّ الخبرَ هو الجملةُ من قوله: " أولئك يؤمنون " ويكونُ " يتلونه " في محلِّ نصبٍ على الحالِ: إمّا من المفعولِ في " آتَيْناهم " وإمَّا من الكتاب، وعلى كِلا القَوْلَيْن فهي حالٌ مقدَّرة، لأنَّ وقتَ الإِيتاء لم يكونوا تالين، ولا كانَ الكتابُ مَتْلُوّاً. وجَوَّز الحوفي أن يكونَ " يَتْلونه " خبراً، و " أولئك يؤمنون " خبراً بعد خبر، قال: " مثلُ قولهم: " هذا حلوٌ حامِضٌ " كأنه يريدُ جَعْلَ الخبرينِ في معنى خبرٍ واحدٍ، هذا إنْ أُريد بـ " الذين " قومٌ مخصوصونَ، وإنْ أريدَ بهم العمومُ كانَ " أولئكَ يُؤمِنونُ " الخبرَ. قال جماعة - منهم ابنُ عطية وغيرُه - " ويَتْلُونه " حالٌ لا يُسْتَغْنى عنها وفيها الفائدةُ ". وقال أيضاً أبو البقاء: " ولا يجوزُ أن يكونَ " يَتْلُونه " خبراً لئلا يلزَمَ منه أنَّ كلَّ مؤمِنٍ يتلو الكتاب حقَّ تلاوتِه بأيِّ تفسيرٍ فُسِّرَت التلاوةُ ". قال الشيخ: " ونقول ما لَزِمَ من الامتناع مِنْ جَعْلِها خبراً يلزمُ في جَعْلِها حالاً لأنَّه ليس كل مؤمنٍ على حالِ التلاوة بِأيّ تفسير فُسِّرت التلاوة ".

قوله: { حَقَّ تِلاَوَتِهِ } فيه ثلاثة أوجه، أحدُها: أنَّه نُصِبَ على المصدرِ وأصلُه: " تلاوةً حقاً " ثم قُدِّم الوصفُ وأُضيفَ إلى المصدرِ، وصار نظير: " ضَرَبْتَ شديدَ الضربِ " أي: ضَرْباً شديداً. فلمّا قُدِّم وصفُ المصدرِ نُصِبَ نَصْبَه. الثاني: أنه حالٌ من فاعل " يَتْلونه " أي: يَتْلُونه مُحِقِّينِ، الثالث: أنه نَعْت مصدرٍ محذوفٍ. وقال ابن عطية: " و " حَقَّ " مصدرٌ والعاملُ فيه فعلٌ مضمرٌ وهو بمعنى أَفَعَل، ولا تجوزُ إضافتُه إلى واحدٍ معرَّفٍ، إنما جازَتْ هنا لأنَّ تَعَرُّفَ التلاوةِ بإضافتِها إلى الضميرِ ليس بتعرُّفٍ مَحْضٍ، وإنما هو بمنزلةِ قولهِم: رجلٌ واحدُ أمِّه ونسيج وحدِه " يعني أنه في قوةِ أفعَلِ التفضيلِ بمعنى أحقَّ التلاوةِ، وكأنه يرى أنَّ إضافةَ أفعل غيرُ محضةٍ، ولا حاجَةَ إلى تقديرِ عاملٍ فيه لأنَّ ما قبله يَطْلُبُه.

والضميرُ في " به " فيه أربعةُ أقوالٍ، أحدُها - وهو الظاهرُ -: عَوْدُه على الكتاب. الثاني: عَوْدُه على الرسولِ، قالوا: " ولم يَجْرِ له ذِكْرٌ لكنَّه معلومٌ " ولا حاجةَ إلى هذا الاعتذارِ فغنه مذكور في قولِه: " أَرْسلناك " ، إلا أنَّ فيه التفاتاً من خطابٍ إلى غَيْبة.

السابقالتالي
2 3 4 5 6