الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَالُواْ ٱتَّخَذَ ٱللَّهُ وَلَداً سُبْحَـٰنَهُ بَل لَّهُ مَا فِي ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ }

قوله تعالى: { ٱتَّخَذَ ٱللَّهُ وَلَداً سُبْحَانَهُ }: الجمهورُ: " وقالوا " بالواوِ عطفاً لهذِه الجملةِ الخبريةِ على ما قبلَها وهو أحسنُ في الربط. وقيل: هي معطوفةً على قوله: " وسعى " فيكونُ قد عَطَفَ على الصلة مع الفعلِ بهذه الجملِ الكثيرة، وهذا ينبغي أن يُنَزَّه القرآنُ عن مِثْله. وقرأ ابن عامر - وكذلك هي في مصاحف الشام - " قالوا " من غير واوٍ، وذلك يَحْتمل وجهين، أحدُهما: الاستئنافُ. الثاني: حَذْفُ حرفِ العطفِ وهو مرادٌ، استغناء عنه بربطِ الضميرِ بما قبلَ هذه الجملةِ. و " اتَّخَذَ " بجوزُ أن يكونَ بمعنى عَمِل وَصنَع، فيتعدَّى لمفعولٍ واحدٍ، وأن يكونَ بمعنى صَيَّر، فيتعدَّى لاثنين، ويكونُ الأولُ هنا محذوفاً تقديرُه: " وقالوا اتَّخذَ اللهُ بعضَ الموجودات ولداً " إلا أنَّه مع كثرةِ دَوْرِ هذا التركيبِ لم يُذْكَرْ معها إلا مفعولٌ واحدٌ:وَقَالُواْ ٱتَّخَذَ ٱلرَّحْمَـٰنُ وَلَداً } [الأنبياء: 26]،مَا ٱتَّخَذَ ٱللَّهُ مِن وَلَدٍ } [المؤمنون: 91]وَمَا يَنبَغِي لِلرَّحْمَـٰنِ أَن يَتَّخِذَ وَلَداً } [مريم: 92]. والوَلَدُ: فَعَل بمعنى مَفْعول كالقَبْض والنَّقْص، وهو غيرُ مقيسٍ، والمصدرُ: الوِلادة والوَليديَّة، وهذا الثاني غريبٌ جداً.

قوله: { بَل لَّهُ مَا فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ } " بَلْ " إضرابٌ وانتقالٌ، و " له " خبرٌ مقدَّمٌ و " ما " مبتدأ مؤخرٌ، وأتى هنا بـ " ما " لأنه إذا اختلَطَ العاقلُ بغيره كان المتكلمُ مُخَيَّراً في " ما و " مَنْ " ، ولذلك لَمَّا اعتَبَر العقلاءَ غلَّبهم في قوله " قانتون " فجاء بصيغةِ السلامةِ المختصَّةِ بالعقلاء. قال الزمخشري " فإن قلت: كيف جاءَ بـ " ما " التي لغير أولي العلمِ مع قوله " قانتون "؟ قلت: هو كقولِه:

" سبحانَ ما سَخَّركُنَّ " وكأنه جاء بـ " ما " دون " مَنْ " تحقيراً لهم وتصغيراً لشأنِهِمْ، وهذا جنوحٌ منه إلى أنَّ " ما " قد تقع على أولي العلمِ، ولكنَّ المشهورَ خلافُه. وأمَّا قولُه " سبحانَ ما سَخَّركُنَّ لنا " فسبحانُ غَيرُ مضافٍ، بل هو كقوله:
691 ـ........................   سبحان مِنْ علقمةَ..............
و " ما " مصدرية ظرفية.

قوله: { كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ } مبتدأٌ وخبرٌ، و " كلٌّ " مضافَةٌ إلى محذوفٍ تقديراً، أي: كلُّ مَنْ في السموات والأرض، وقال الزمخشري: " ويجوزُ أن يكونَ كلَّ مَنْ جَعَلوه لله وَلَداً " قال الشيخ: " وهذا بعيدُ جداً لأن المجعولَ ولداً لم يَجْرِ له ذِكْرٌ، ولأنَّ الخبرَ يشتركُ فيه المجعولُ [ولداً] وغيرُه " قوله: " لم يَجْرِ له ذِكْر " بل قد جَرَى ذِكْرُه فلا بُعْدَ فيه.

وجَمَعَ " قانِتون " حَمْلاً على المعنى لِما تقدَّم من أَنَّ " كُلاًّ " إذا قُطِعَتْ عن الإِضافة جاز فيها مراعاةُ اللفظِ ومراعاةُ المعنى وهو الأكثر نحو:كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ } [الأنبياء: 33]وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ } [النمل: 87]. ومِنْ مراعاةِ اللفظِ:قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَىٰ شَاكِلَتِهِ } [الإسراء: 84]فكُلاًّ أَخَذْنا بذَنْبِه } [العنكبوت: 40]، وحَسُنَ الجمعُ هنا لتواخي رؤوسِ الآي. والقُنُوت: الطاعةُ والانقيادُ أو طولُ القيام أو الصمتُ أو الدعاءُ.