الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِي ٱلأَرْضِ قَالُوۤاْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ }

قوله تعالى: { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِي ٱلأَرْضِ }: الآية. " إذا " ظرفُ زمنٍ مستقبل ويلزمُها معنى الشرطِ غالباً، ولا تكونُ إلا في الأمرِ المحقق أو المرجَّحِ وقوعُه فلذلك لم تَجْزم إلا في شعر لمخالفتِها أدواتِ الشَرط، فإنها للأمر المحتمل، ومن الجزم قولُه:
182ـ تَرفعُ لي خِنْدِفٌ واللهُ يَرْفَعُ لي   ناراً إذا خَمَدَتْ نيرانُهم تَقِدِ
وقال آخر:
183ـ واستَغْنِ ما أغناك ربُّك بالغِنى   تُصِبْكَ خَصَاصةٌ فَتَجَمَّلِ
وقول الآخر:
184ـ إذا قَصُرَتْ أسيافُنا كان وصلُها   خُطانا إلى أعدائِنا فَنُضَارِبِ
فقوله: " فَنُضَارِبِ " مجزومٌ لعطفِه على محلِّ قولِه " كان وصلُها ". وقال الفرزدق:
185ـ فقام أبو ليلى إليه ابنُ ظَالمٍ   وكان إذا ما يَسْلُلِ السيفَ يَضْرِبِ
وقد تكونُ للزمنِ الماضي كـ " إذ " ، كما قد تكون إذْ للمستقبل كـ " إذا " ، وتكون للمفاجأة أيضاً، وهل هي حينئذٍ باقيةٌ على زمانيتها أو صارَتْ/ ظرفَ مكانٍ أو حرفاً؟ ثلاثةُ أقوال، أصحُّها الأولُ استصحاباً للحالِ، وهل تتصرَّف أم لا؟ الظاهرُ عدمُ تَصَرُّفِها، واستدلَّ مَنْ زعم تصرُّفها بقولِه تعالى في قراءة مَنْ قرأ:إِذَا وَقَعَتِ ٱلْوَاقِعَةُ لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ خَافِضَةً رَّافِعَةً إِذَا رُجَّتِ ٱلأَرْضُ رَجّاً } [الواقعة: 1-4] بنصب { خَافِضَةً رَّافِعَةً } ، فَجَعَلَ " إذا " الأولى مبتدأ والثانيةَ خبرَها، التقديرُ: وَقْتُ وقوعِ الواقعة وقتُ رَجِّ الأرض، وبقوله:حَتَّىٰ إِذَا جَآءُوهَا } [الزمر: 71]حَتَّىٰ إِذَا كُنتُمْ } [يونس: 22]، فجعلَ " حتى " حرفَ جر و " إذا " مجرورةً بها، وسيأتي تحقيقُ ذلك في مواضِعِه. ولا تُضافُ إلا إلى الجملِ الفعليةِ خلافاً للأخفش.

وقولُه تعالى: " قيل " فعلٌ ماضٍ مبنيٌّ للمفعولِ، وأصلُه: قُولَ كضُرِبَ فاستُثْقِلت الكسرةُ على الواو، فَنُقِلَت إلى القافِ بعد سَلْبِ حركتِها، فَسَكَنَتَ الواوُ بعد كسرةٍ فقُلِبت ياءً، وهذه أفصحُ اللغاتِ، وفيه لغةٌ ثانية وهي الإِشمامُ، والإِشمامُ عبارةٌ عن جَعْلِ الضمةِ بين الضمِ والكسرِ، ولغةٌ ثالثةٌ وهي إخلاصُ الضم، نحو: قُوْلَ وبُوعَ، قال الشاعر:
186ـ ليت وهل يَنْفَع شيئاً ليتُ   ليت شباباً بُوْعَ فاشتريْتُ
وقال آخر:
187ـ حُوكَتْ على نِيْرَيْنِ إذ تُحاكُ   تَخْتَبِطَ الشَّوْكَ ولا تُشَاكُ
وقال الأخفش: " ويجوزُ " قُيْل " بضم القافِ والياءُ " يعني مع الياء لا أنَّ الياءَ تضمُّ أيضاً. وتجيءُ هذه اللغاتُ الثلاثُ في اختار وانقاد ورَدَّ وحَبَّ ونحوها، فتقول: اختير بالكسرِ والإِشمامِ واختُور، وكذلك انقيد وانقُود ورُدَّ ورِدَّ، وأنشدوا:
188ـ وما حِلَّ مِنْ جَهْلٍ حُبا حُلَمائِنا   ولا قائِلُ المعروفِ فينا يُعنَّفُ
بكسر حاء " حِلَّ " وقرئ: " ولو رِدُّوا " بكسر الراء، والقاعدةُ فيما لم يُسَمَّ فاعلُه أن يُضَمَّ أولُ الفعلِ مطلقاً، فإن كان ماضياً كُسِر ما قبلَ آخرهِ لفظاً نحو: ضُرِب أو تقديراً نحو: قِيلَ واخْتِير، وإن كان مضارعاً فُتح لفظاً نحو يُضْرَبُ أو تقديراً نحو: يُقال ويُختار، وقد يُضَمُّ ثاني الماضي أيضاً إذا افتُتح بتاءِ مطاوعةٍ نحو تُدُحْرج الحجرُ، وثالثهُ إن افتُتح بهمزةِ وصل نحو: انطُلِق بزيدٍ.

السابقالتالي
2 3