الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ ٱللَّهَ لَهُ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا لَكُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ }

قوله تعالى: { أَلَمْ تَعْلَمْ }: هذا استفهامٌ معناهُ التقريرُ، فلذلك لم يَحَتَجْ إلى معادِلٍ يُعْطَفُ عليه بـ " أم " ، وأَمْ في قولِه: " أم تُريدون ":

قوله تعالى: { لَهُ مُلْكُ }... يجوزُ في " مُلْك " وجهان، أحدُهما أنَّه مبتدأٌ وخبرُه مُقَدَّمِ عليه، والجملةُ في محلَّ رفعٍ خبرٌ لـ " أنَّ ". والثاني: أنه مرفوعٌ بالفاعليةِ، رَفَعَه الجارُّ قبله عند الأخفش، لا يقال: إنَّ الجارَّ هنا قد اعتمد لوقوعِه خبراً لـ " أَنَّ " ، فيرفعُ الفاعلَ / عند الجميع، لأنَّ الفائدة لم تتمَّ به فلا يُجْعَلُ خبراً. والمُلْكُ بالضمِّ الشيءُ المَمْلوك، وكذلك هو بالكسرِ، إلا أنَّ المضمومَ لا يُسْتَعْمَل إلا في مواضِع السَّعَةِ وبَسْطِ السُّلْطانِ.

قوله: { وَمَا لَكُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ مِن وَلِيٍّ } يجوزُ في " ما " وجهان، أحدُهما: كونُهما تميميَّةً فلا عَمَلَ لها فيكونُ " لكم " خبراً مقدماً، و " مِنْ وليّ " مبتدأً مؤخراً زيدت فيه " مِنْ " فلا تعلُّقَ لها بشيءٍ. والثاني: أن تكونَ حجازيةً وذلك عند مَنْ يُجيز تقديمَ خبرِها ظرفاً أو حرفَ جرٍّ، فيكونُ " لكم " في محلِّ نصبٍ خبراً مقدَّماً، و " مِنْ وليّ " اسمها مؤخراً، و " مِنْ " فيه زائدةٌ أيضاً، و { مِّن دُونِ ٱللَّهِ } فيه وجهان، أحدُهما أنَّه متعلِّقٌ بما تَعَلَّقَ به " لكم " من الاستقرارِ المقدَّرِ، و " مِنْ " لابتداءِ الغاية. والثاني: أنَّه في محلِّ نصبٍ على الحالِ من قوله: { مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ } لأنَّه في الأصلِ صفةٌ للنكرةِ، فلمَّا قُدِّم عليها انتصَبَ حالاً، قاله أبو البقاء. فعلى هذا يتعلَّقُ بمحذوفٍ غيرِ الذين تعلَّق به " لكم ". ولا نصير " عطفٌ على لفظِ " ولي " ولو قُرِىءَ برفعِهِ على الموضِع لكان جائزاً. وأتى بصيغة فَعيل في " وليَّ " و " نَصير " لأنها أَبْلَغُ من فاعل، ولأنَّ " وليَّاً " أكثرُ استعمالاً من " والٍ " ولهذا لم يَجِيءْ في القرآن إلا في سورةِ الرعدِ، وأيضاً لتواخي الفواصلِ وأواخرِ الآي. وفي قولِه " لكم " انتقالٌ من خطابِ الواحدِ لخطابِ الجماعةِ، وفيه مناسَبَةٌ، وهو أنَّ المنفيَّ صار نَصَّاً في العمومِ بزيادةِ " مِنْ " فناسَبَ كونَ المَنْفِيِّ عنه كذلكَ فجُمِعَ لذلك.