الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَمَّآ جَآءَهُمْ رَسُولٌ مِّنْ عِندِ ٱللَّهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِّنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَٰبَ كِتَٰبَ ٱللَّهِ وَرَآءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ }

قوله تعالى: { ٱلْكِتَابَ كِتَابَ ٱللَّهِ }: " الكتابَ " مفعولٌ ثانٍ لـ " أُوْتُوا " لأنه يتعدَّى في الأصلِ إلى اثنين. فأُقيم الأولُ مُقام الفاعلِ وهو الواوُ، وبقي الثاني منصوباً، وقد تَقَدَّم أنه عند السهيلي مفعولٌ أوَّلُ، و " كتابَ الله " مفعولُ نَبَذَ، و " وراءَ " منصوبٌ على الظرفِ وناصبُه " نَبَذَ " ، وهذا مَثَلٌ لإِهمالِهم التوراةَ، تقولُ العرب: " جَعَلَ هذا الأمرَ وراءَ ظهره ودَبْرَ أذنِه " أي: أهمله، قال الفرزدق:
636 ـ تَميمُ بنُ مُرٍّ لا تكونَنَّ حاجتي   بِظَهْرٍ فلا يَعْيَا عليَّ جوابُها
والنَّبْذُ: الطَّرْحُ - كما تقدَّم -. وقال بعضُهم: " النَّبْذ والطَّرْح والإلقاء متقاربة، إلا أن النبذَ أكثرُ ما يقال في المبسوط والجاري مَجْراه، والإِلقاء فيما يُعْتبر فيه ملاقاةٌ بين شيئين " ومن مجيء النَّبْذ بمعنى الطرح قوله:
637 ـ إنَّ الذين أَمَرْتَهُمْ أَنْ يَعْدِلُوا   نَبَذُوا كتابَك واسْتَحَلُّوا المَحْرَما
وقال أبو الأسود:
638 ـ وخَبَّروني مَنْ كنتُ أرسلْتُ أنَّما   أَخَذْتَ كتابي مُعْرِضاً بشِمالكا
نظْرتَ إلى عنوانِه فنبذْتَه   كنَبْذِكَ نَعْلاً أَخْلَقَتْ مِنْ نِعالِكا
قوله: { كَأَنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } جملةٌ في محلِّ نَصْبٍ على الحال، وصاحبُها، فريقٌ، وإنْ كان نكرةً لتخصيص بالوصفِ، والعاملُ فيها: نَبَذَ، والتقدير: مُشْبهين للجُهَّال. ومتعلَّقُ العلمِ محذوفٌ تقديرُه: أنه كتابُ الله لا يُداخِلُهم فيه شكٌّ، والمعنى: أنهم كفروا عِناداً.