الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ إِن كُلُّ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ إِلاَّ آتِي ٱلرَّحْمَـٰنِ عَبْداً }

قوله: { مَن فِي ٱلسَّمَاوَاتِ }: يجوز في " مَنْ " أن تكونَ نكرةً موصوفة، وصفتُها الجارُّ بعدها. ولم يذكر أبو البقاء غيرَ ذلك، وكذلك الزمخشري. إلا أنَّ ظاهرَ عبارتِه يقتضي أنه لا يجوز / غيرُ ذلك، فإنه قال: " مَنْ موصوفةٌ؛ فإنها وقعَتْ بعد كل نكرةٍ وقوعَها بعد " رُبَّ " في قولِه:
3266- رُبَّ مَنْ أنضجْتُ غيظاً صدرَه   ....................................
انتهى. ويجوز أن تكونَ موصولةً. قال الشيخ: " أي: ما كلُّ الذي في السماوات، و " كُلٌّ " تدخلُ على " الذي " لأنها تأتي للجنسِ كقولِه تعالى:وَٱلَّذِي جَآءَ بِٱلصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ } [الزمر: 33] ونحوه:
3267- وكلُّ الذي حَمَّلْتني أَتَحَمَّلُ   ..................................
يعني أنَّه لا بدَّ مِنْ تأويلِ الموصول بالعموم حتى تَصِحَّ إضافةُ " كل " إليه، ومتى أُريد به معهودٌ بعينِه شَخَص واستحال إضافةُ " كل " إليه.

و { آتِي ٱلرَّحْمَـٰنِ } خبرُ " كلُّ " جُعِل مفرداً حَمْلاً على لفظِها ولو جُمع لجاز وقد تقدَّم أولَ هذا الموضوعِ أنها متى أُضيفت لمعرفةٍ جاز الوجهان. وقد تكلَّم السهيليُّ في ذلك فقال: " كُلٌّ " إذا ابْتُدِئَتْ، وكانتْ مضافةً لفظاً - يعني لمعرفةٍ - فلا يَحْسُنُ إلا إفرادُ الخبرِ حَمْلاً على المعنى. تقول: كلُّكم ذاهبٌ، أي: كلُّ واحدٍ منكم ذاهبٌ، هكذا هذه المسألةُ في القرآنِ والحديثِ والكلامِ الفصيح. فإنْ قلت: في قولِه:وَكُلُّهُمْ آتِيهِ } [مريم: 95] إنما هو حَمْلٌ على اللفظ لأنه اسمٌ مفردٌ. قلنا: بل هو اسم للجمع، واسمُ الجمع لا يُخْبَرُ عنه بإفراد. تقول: " القومُ ذاهبون " ولا تقولُ: ذاهبٌ، وإن كان لفظُ " القوم " لفظَ المفردِ. وإنما حَسُن " كلُّكم ذاهب " لأنهم يقولون: كلُّ واحدٍ منكم ذاهبٌ، فكان الإِفرادُ مراعاةً لهذا المعنى ".

قال الشيخ: " ويَحتاج " كلُّكم ذاهبون " ونحوُه إلى سَماعٍ ونَقْلٍ عن العرب ". يُقَرِّر ما قاله السهيليُّ. قلت: وتسميةُ الإِفرادِ حَمْلاً على المعنى غيرُ الاصطلاحِ، بل ذلك حَمْلٌ على اللفظ، الجمعُ هو الحَمْلُ على المعنى.

وقال أبو البقاء: " وَوُحِّدَ " آتِيْ " حَمْلاً على لفظ " كل " وقد جُمِعَ في موضعٍ آخرَ حَمْلاً على معناها ". قلت: قوله في موضعٍ آخرَ إنْ عَنَى في القرآن فلم يأتِ الجمعُ إلا " وكلٌّ " مقطوعةٌ عن الإِضافة نحو:كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ } [الأنبياء: 33]وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ } [النمل: 87] وإنْ عَنَى في غيرِه فيَحْتاج إلى سماعٍ عن العرب كما تقدَّم.

والجمهورُ على إضافة " آتِي " إلى " الرحمن ". وقرأ عبد الله بن الزبير وأبو حيوة وطلحة وجماعة بتنوينه ونصبِ " الرحمن ".

وانتصبَ " عَبْداً " و " فَرْداً " على الحال.