الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ أَن دَعَوْا لِلرَّحْمَـٰنِ وَلَداً }

قوله: { أَن دَعَوْا }: في محلِّه خمسةُ اوجه، أحدها: أنه في محلِّ نصبٍ على المفعولِ مِنْ أجله. قاله أبو البقاء والحوفي، ولم يُبَيِّنا: ما العاملُ فيه؟ ويجوز أَنْ يكونَ العاملُ " تكاد " أو " تَحِزُّ " أو " هَدَّاً " أي: تَهِدُّ لأَنْ دَعَوْا، ولكنَّ شَرْطَ النصبِ فيها مفقودٌ وهو اتِّحادُ الفاعلِ في المفعولِ له والعاملِ فيه، فإن عَنَيَا أنه على إسقاطِ اللامِ - وسقوطُ اللامِ يَطَّرِدُ مع أنْ - فقريبٌ. وقال الزمخشري: " وأَنْ يكونَ منصوباً بتقديرِ سقوطِ اللام وأفضاءِ الفعلِ، أي: هدَّاً لأَنْ دَعَوْا، عَلَّلَ الخرورَ بالهدِّ، والهدِّ بدعاءِ الوَلَدِ للرحمن ". فهذا تصريحٌ منه بأنَّه على إسقاطِ الخافضِ، وليس مفعولاً له صريحاً.

الوجه الثاني: أَنْ يكونَ مجروراً بعد إسقاطِ الخافض، كما هو مذهبُ الخليلِ والكسائي.

والثالث: أنه بدلٌ من الضمير في " مِنْه " كقولِه:
3261- على حالةٍ لو أنَّ في القومِ حاتماً   على جودِهِ لضَنَّ بالماءِ حاتِمِ
بجر " حاتم " الأخير بدلاً من الهاء في " جودِه ". قال الشيخ: " وهو بعيدٌ لكثرةِ الفصلِ بين البدلِ والمبدلِ منه بجملتين ".

الوجه الرابع: أَنْ يكونَ مرفوعاً بـ " هَدَّاً ". قال الزمخشري أي: هَدَّها دعاءُ الولدِ للرحمن ". قال الشيخ: " وفيه بُعْدٌ لأنَّ الظاهرَ في " هَدَّاً " أن يكونَ مصدراً توكيدياً، والمصدرُ التوكيديُّ لا يعملُ، ولو فَرَضْناه غيرَ توكيديّ لم يَعْمَلْ بقياسٍ إلا إنْ كان أمراً أو مستفهماً عنه نحو: " ضَرْباً زيداً " و " أضَرْباً زيداً " على خلافٍ فيه. وأمَّا إنْ كان خبراً، كما قدَّره الزمخشري " أي: هَدَّها دعاءُ الوَلَدِ للرحمن " فلا يَنْقاس، بل ما جاءَ من ذلك هو نادرٌ كقولِ امرِئ القيس:
3262- وُقوفاً بها صَحْبِيْ عليَّ مطيَّهم   يقولون: لا تَهْلَِكَ أَسَىً وتجمَّلِ
أي: وقف صحبي.

الخامس: أنه خبرُ مبتدأ محذوفٍ تقديرُه: المٌوْجِبُ لذلك دعاؤهم، كذا قَدَّره أبو البقاء.

و " دَعا " يجوزُ أَنْ يكونَ بمعنى سَمَّى فيتعدَّى لاثنين، ويجوز جَرُّ ثانيهما بالباءِ. قال الشاعر:
3263- دَعَتْنِي أخاها أمُّ عمروٍ ولم أكنْ   أخاها ولم أَرْضَعْ بلَبانِ
دَعَتْني أخاها بعد ما كان بينَنا   من الفعلِ ما لا يَفْعَلُ الأَخَوانِ
وقول الآخر:
3264- ألا رُبَّ من يُدْعَى نَصيحاً وإنْ يَغِبْ   تَجِدْه بغَيْبٍ منكَ غيرَ نَصِيْحِ
وأوَّلُهما في الآية محذوفٌ. قال الزمخشري: " طلباً للعموم والإِحاطة بكلِّ ما يُدْعَى له ولداً. ويجوز أن يكونَ مِنْ " دعا " بمعنى نَسَبَ الذي مُطاوِعُه ما في قولِه عليه السلام " مَنِ ادَّعَى إلى غير مَوالِيه " وقول الشاعر:
3265- إنَّا بني نَهْشَلٍ لا نَدَّعِيْ لأَبٍ   عنه ولا هو بالأَبْناءِ يَشْرِيْنا
أي: لا نَنْتَسِبُ إليه.