الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالَ كَذٰلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِن قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئاً }

قوله: { كَذٰلِكَ }: في محلِّ هذه الكاف وجهان، أحدهما: أنه رفعٌ على خبرِ ابتداءٍ مضمرٍ، أي: الأمرُ كذلك، ويكون الوقف على: " كذلك " ثم يُبْتَدَأ بجملة أخرى. والثاني: أنها منصوبةُ المحلِّ، فَقَدَّره أبو البقاء بـ " أَفْعَلُ مثلَ ما طلبْتَ، وهو كنايةٌ عن مطلوبِه، فَجَعَلَ ناصبَه مقدَّراً، وظاهرُه أنَّه مفعولٌ به.

وقال الزمخشري: " أو نصبٌ بـ " قال " و " ذلك " إشارةٌ إلى مُبْهم يُفَسِّره { هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ } ، ونحوُه:وَقَضَيْنَآ إِلَيْهِ ذَلِكَ ٱلأَمْرَ أَنَّ دَابِرَ هَؤُلآءِ مَقْطُوعٌ مُّصْبِحِينَ } [الحجر: 66]. وقرأ الحسن { وهُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ } ولا يُخَرَّجُ هذا إلا على الوجه الأول، أي: الأمرُ كما قلت، وهو على ذلك يَهُون عليَّ. ووجهٌ آخرُ: وهو أَنْ يُشارَ بـ " ذلك " إلى ما تقدَّم من وَعْدِ الله، لا إلى قولِ زكريَّا. و " قال " محذوفٌ في كلتا القراءتين. - في كلتا القراءتين: يعني قراءةَ العامة وقراءةَ الحسنِ - أي: قال هو عليَّ هيِّن، قال: وهو عَلَيَّ هَيِّن، وإن شئتَ لم تَنْوِه، لأنَّ اللهَ هو المخاطَبَ، والمعنى أنه قال ذلك، ووَعْدُه وقولُه الحق ".

وفي هذا الكلامِ قَلَقٌ؛ وحاصلُه يَرْجع إلى أنَّ " قال " الثانيةَ هي الناصبةُ للكاف. وقوله: " وقال محذوفٌ " يعني تفريغاً على أنَّ الكلامَ قد تَمَّ عند " قال ربك " ويُبْتَدأ بقولِه: { هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ }. وقوله: " وإنْ شِئْتَ لم تَنْوِه " أي: لم تَنْوِ القولَ المقدَّرَ، لأنَّ اللهَ هو المتكلَّمُ بذلك.

وظاهرُ كلامِ بعضهِم: أنَّ " قال " الأولى مُسْنَدةٌ إلى ضميرِ المَلَكِ، وقد صَرَّح بذلك ابنُ جريرٍ، وتبعه ابن عطية. قال الطبري: " ومعنى قولِه " قال كذلك " ، أي: الأمران اللذان ذكرْتَ مِنَ المرأةِ العاقرِ والكِبَرِ هو كذلك، ولكم قال ربُّكِ، والمعنى عندي: قال المَلَكُ: كذلك، أي: على هذه الحال، قال ربك: هو عليَّ هَيِّنٌ " انتهى.

وقرأ الحسن البصري " عَلَيِّ " بكسر ياء المتكلم كقوله:
3213- عَلَيَّ لعمروٍ نِعْمَةٌ بعد نِعْمةٍ   لوالدِه ليسَتْ بذاتِ عَقَارِبِ
أنشدوه بالكسر. وقد أَمْنَعْتُ الكلامَ في هذه المسألة في قراءةِ حمزةَ { بِمُصْرِخِيِّ }.

قوله: { وَقَدْ خَلَقْتُكَ } هذه جملة مستأنفة. وقرأ الأخَوان " خَلَقْناك " أسنده إلى الواحدِ المعظِّمِ نفسَه. والباقون " خَلَقْتُكَ " بتاءِ المتكلم.

وقوله: { وَلَمْ يَكُ شَيْئاً } جملةٌ حاليةٌ، ومعنى نَفْيِ كونِه شيئاً، أي: شيئاً يُعْتَدُّ به كقوله:
3214-............................   إذا رَأَى غيرَ شَيْءٍ ظَنَّه رَجُلاً
وقالوا: عَجِبْتُ مِنْ لا شيء. ويجوز أن يكونَ قال ذلك؛ لأنَّ المعدومَ ليس بشيءٍ.