الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِّن قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثَاثاً وَرِءْياً }

قوله: { وَكَمْ أَهْلَكْنَا }: " كم " مفعولٌ مقدمٌ واجبُ التقديم؛ لأنَّ له صدرَ الكلامِ لأنها إمَّا: استفهاميةٌ أو خبريةٌ، وهي محمولةٌ على الاستفهاميةِ، و " أَهلَكْنا " مُتَسَلِّطٌ على " كم " أي: كثيراً من القرون أَهْلَكْنا. و " مِنْ قَرنٍ " تمييزٌ لـ " كَمْ " مُبَيِّنٌ لها.

قوله: { هُمْ أَحْسَنُ } في هذه الجملةِ وجهان، أحدهما:- وإليه ذهب الزمخشري وأبو البقاء - أنَّها في محلِّ نصب، صفةً لـ " كم ". قال الزمخشري: " ألا ترى أنَّك لو أَسْقَطْتَ " هم " لم يكن لك بَدٌّ مِنْ نصبِ " أحسنُ " على الوصفية ". وفي هذا نظرٌ لأنَّ النَّحْويين نَصُّوا: على أنَّ " كم " استفهاميةٌ كانت أو خبريةً لا تُوْصَفُ ولا يُوْصَفُ بها. الثاني: أنها في محلِّ جرٍّ صفةً لـ " قَرْن " ولا محذورَ في هذا، وإنما جُمِعَ في قوله: " هم " لأنَّ قَرْناً وإن كان لفظُه مفرداً فمعناه جمعٌ، فـ " قَرْن " كلفظِ " جميع " و " جميع " يجوز مراعاةُ لفظِه تارةً فيُفْرَدُ كقولِه تعالى:نَحْنُ جَمِيعٌ مُّنتَصِرٌ } [القمر: 44] ومراعاةُ معناه أخرى فيُجمع مالَه كقوله تعالى:لَّمَّا جَمِيعٌ لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ } [يس: 32].

قوله: " ورِئْياً " الجمهورُ على " رِئْياً " الجمهورُ على " رِئْيا " بهمزةٍ ساكنةٍ بعدَها ياءٌ صريحةٌ وَصْلاً ووفقاً، وحمزةُ إذا وَقَفَ يُبْدِلُ هذه الهمزةَ ياءً على أصلِه في تخفيفِ الهمز، ثم له بعد ذلك وجهان: الإِظهارُ اعتباراً بالأصل، والإِدغامُ اعتباراً باللفظ، وفي الإِظهار صعوبةٌ لا تَخْفَى، وفي الإِدغامِ إبهامُ أنها مادةٌ أخرى: وهو الرَّيُّ الذي بمعنى الامتلاء والنَّضارة، ولذلك تَرَكَ أبو عمروٍ أصلَه في تخفيفِ همزِه.

وقرأ قالون عن نافع، وابن ذكوان عن ابن عامر " ورِيَّا " بياءٍ مشددةٍ بعد الراءِ، فقيل: هي مهموزةُ الأصلِ، ثم أُبْدِلَتِ الهمزةُ ياءً وأُدْغِمَتْ. والرَّأْيُ بالهمز، قيل: مِنْ رُؤْية العَيْن، وفِعْل فيه بمعنى مَفْعول، أي: مَرْئِيٌّ. وقيل من الرُّواء وحُسْنِ المنظر. وقيل: بل هو مِنَ الرَّيّ ضد العطش وليس مهموزَ الأصلِ، والمعنى: أحسنُ منظراً لأنَّ الرِّيَّ والامتلاءَ أحسنُ مِنْ ضِدَّيْهما.

وقرأ حميد وأبو بكر بن عاصم في روايةِ الأعشى " وَرِيْئاً " بياءٍ ساكنةٍ بعدَها همزةٌ وهو مقلوبٌ مِنْ " رِئْياً " في قراءةِ العامَّةِ، ووزنه فِلْعٌ، وهو مِنْ راءه يَرْآه كقولِ الشاعر:
3252- وكلُّ خليلٍ راءَني فهو قائلٌ   مِنَ أجلِكَ: هذا هامةُ اليومِ أوغدِ
وفي القلب من القلبِ ما فيه.

ورَوَى اليزيديُّ قراءةَ " ورِياء " بياءٍ بعدها ألف، بعدها همزة، وهي من المُراءاة، أي: يُرِيْ بعضُهم حُسْنَ بعضٍ، ثم خَفَّف الهمزةَ الأولى بقلبِها ياءً، وهو تخفيفٌ قياسيٌّ.

السابقالتالي
2