الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالَ أَرَاغِبٌ أَنتَ عَنْ آلِهَتِي يٰإِبْرَاهِيمُ لَئِن لَّمْ تَنتَهِ لأَرْجُمَنَّكَ وَٱهْجُرْنِي مَلِيّاً }

قوله تعالى: { أَرَاغِبٌ أَنتَ }: يجوز فيه وجهان، أحدُهما: أَنْ يكون " راغبٌ " مبتدأً لاعتمادِه على همزةِ الاستفهام، و " أنت " فاعلٌ سَدَّ مَسَدَّ الخبر. والثاني: أنه خبر مقدمٌ، و " أنت " مبتدأ مؤخر ورُجِّح الأولُ بوجهين، أحدهما: أنه ليس فيه تقديمٌ ولا تأخير؛ إذ رتبهُ الفاعلِ التأخيرُ عن رافعِه. والثاني أنه لا يلزم فيه الفصلُ بين العاملِ ومعمولِه بما ليس معمولاً للعامل؛ وذلك لأنَّ { عَنْ آلِهَتِي } متعلقٌ بـ " راغِبٌ " ، فإذا جُعل " أنت " فاعلاً فقد فُصِل بما هو كالجزءِ من العامل، بخلافِ جَعْلِه خبراً فإنه أجنبي إذ ليس معمولاً لـ " راغبٌ ".

قوله: " مَلِيَّاً " في نصبه ثلاثةُ أوجهٍ، أحدها: أنه منصوبٌ على الظرفِ الزماني، أي: زمناً طويلاً، ومنه " المَلَوان " للَّيلِ والنهارِ، وَمَُِلاوةُ الدَّهْر بتثليث الميم قال:
3240- فَعُسْنا بها من الشَّبابِ مَلاوةً   فالحجُّ آيات الرسولِ المحبِّبِ
وأنشد السدِّي على ذلك لمهلهل:
3241- فتصَدَّعَتْ صُمُّ الجِبالِ لمَوْتِه   وبَكَتْ عليه المُرْمِلاتُ مَلِيَّا
والثاني: أنه منصوبٌ على الحال معناه: سالماً سَويَّاً. كذا فسَّره ابن عباس: فهو حالٌ مِنْ فاعلِ " اهْجُرْني " ، وكذلك فَسَّره ابنُ عطيةَ قال: " معناه: مُسْتَبداً، أي: غنيَّاً من قولهم هو مَلِيٌّ بكذا وكذا ". قال الزمخشري: " أي: مُطيقاً " والثالث: أنه نعت لمصدر محذوف، أي: هَجْراً مَلِيَّاً يعني: واسعاً متطاولاً كتطاول الزمان الممتد.